كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 160 """"""
الذي تبهجه مسار صديقه ، والصاحب الذي يرى مساهمة صاحبه في بشرى الظفر بأعدائه أدنى حقوقه ؛ وذلك أنه قد علم ما كان من أمر هؤلاء التتار في حركاتهم الذميمة ، وعزماتهم التي ما اختلفوا لها إلا وكان أحد سلاحهم فيها الهزيمة ، وغاراتهم التي ما حشدوا لها إلا وقنعوا فيها بالإياب من الغنيمة ؛ وأنهم ما أقدموا علينا إلا وعدموا ، ولا سلكوا إلينا إلا وهلكوا ؛ حتى إن الأرض إلى الآن لم تجف من دمائهم ، وإن الفرات يكاد يشف للمتأمل عن أشلائهم ؛ وأن الشيطان يعد ذلك جدد طمعهم ، وسكن هلعهم ، وأنساهم مصارع إخوانهم ، وأسلاهم بما زين لهم من بلوغ أوطارهم عن أوطانهم ؛ وقال لهم : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وتلك الوقائع التي أصبتم فيها قد لا يجري الأمر فيها على القياس ؛ وحسن لهم المحال وغرهم وجرأهم على قصد البلاد المحروسة ، وفي الحقيقة استجرهم ؛ فحشدوا جموعهم وجمعوا حشودهم ، واستفرغوا في الاستنفار والاشتظهار طاقتهم ومجهودهم ؛ ومالأهم على ذلك من المجاورين من أبطن شقاقه ، وكتم نفاقه ، وأنساه الشيطان ما سلف من تنفيسنا عنه وقد لازم الحتف خناقه ؛ ونحن في ذلك نوسعهم إمهالاً ، ونبسط لهم في التوغل آمالاً ، ونأخذ أمرهم بالأناة استدراجاً لهم لا إهمالاً ؛ إلى أن بعدوا عن مواطن الهرب ، وحصل من استدراجهم الأرب ، فوثبنا عليهم وثوب الليث إذا ظفر بصيده ، ونهضنا نحوهم نهوض الحازم إذا وقع عدوه في أحبولة كيده ؛ وصدمتهم جيوشنا المنصورة صدمةً فللت غربهم ، وأبطلت طعنهم وضربهم ، وصبغت بدمائهم تربهم ؛ وحكّمت السيوف في مقاتلهم ، ومكنت الحتوف من صاحب رأيهم ومقاتلهم ؛ وسلطت العدم على وجودهم ، وحطتهم عن سروجهم إلى مصارعهم أو قيودهم ؛ " فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين " وعادوا على عادتهم خاسئين ، ورجعوا على أعقابهم خاسرين ؛ وما أغنى عنهم جمعهم ، وما أفادهم بصرهم فيما شاهدوه من قبل ولا سمعهم ؛ فركن من بقي منهم إلى الفرا ، وعاذ ببرد الهرب من لهب تلك السيوف الحرار وظن من انهزم منهم أنه فات الرماح ، فتناولته بأرماح من العطش القفار ؛ فولوا والرعب يزلزل أقدامهم ، والذعر يقلل إقدامهم ؛ والصفاح تتخطفهم من ورائهم والجراح تطمع الطير في أكلهم حتى تقع على أحيائهم ؛ حتى أصبحوا هشيماً تلعب بهم الصبا والدبور ، أو أحياءً يئس منهم أهلهم " كما يئس الكفار من أصحاب القبور " وصفحنا عمن نافقنا ووافقهم ولولا ذلك لما نجا ، ورجا عواطفنا في الإبقاء على نفسه ، فأجابه حلمنا - وعلمنا أنه في القبضة -

الصفحة 160