كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
إلى ما رجا ، فليأخذ الملك حظه من هذه البشرى التي تسر قلب الولي المحب بوادرها ، وتشرح صدر الحفي المحق مواردها ومصادرها ؛ والله تعالى يبهجه عنا بسماع أمثالها ، ويديم سروره بما جلوناه عليه من مثالها .
قال : فإن كان المكتوب إليه متهماً بممالأة العدو كتب إليه بما يدل على التفريع والتهكم ، وإبراز التهديد في معرض الإخبار ، كما كتب المشار إليه عن السلطان إلى ممتلك سيس - وكان قد شهد الوقعة مع العدو - قال منه : بصره الله برشده ، وأراه مواقع غيه في الإصرار على مخالفته ونقض عهده وأسلاه بسلامة نفسه عمن روعته السيوف الإسلامية بفقده ، صدرت تعرفه أنه قد تحقق ما كان من أمر العدو الذي دلاه بغروره ، وحمله التمسك بخداعه على مجانبة الصواب في أموره ؛ وأنهم استنجدوا بكل طائفة ، وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة وقلوب خائفة ؛ وذلك بعد أن أقاموا مدة يشترون المخادعة بالموادعة ، ويشرون المصارمة في المسالمة ؛ ويظهرون في الظاهر أموراً ، ويدبرون في الباطن أموراً ، ويعدون كل طائفة من أعداء الدين مثله ويمنونهم " وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " ؛ وكنا بمكرهم عالمين ، وعلى معالجتهم عاملين ، وحين تبين مرادهم وتكمل احتشادهم ؛ استدرجناهم إلى مصارعهم ، واستجريناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم ، ويبعدوا في الهرب عن مواضعهم ؛ وصدمناهم بقوة الله صدمة لم يكن بها قبل ، وحملنا عليهم حملةً ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل ، وهل تعصم من أمر الله حيل ؟ فحصرناهم في ذلك الفضاء المتسع ، وضايقناهم كما قد رأى ومزقناهم كما قد سمع ، وأنزلناهم على حكم السيف الذي نهل من دمائهم حتى روي وأكل من لحومهم حتى شبع ، وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخطفهم رماحها ، وتتلقفهم صفاحها ، ويبددهمفي الفلوات رعبها ، ويفرقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها ؛ ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع ، ويخيل للحي منهم أن وطنه كالدنيا التي ليس للميت إليها رجوع ؛ ولعله قد رأى ذلك فوق ما وصف عياناً ، وتحقق من كل ما لا يحتاج أن نزيده به علماً ولا نقيم له عليه برهاناً ؛ وقد علم أن أمر هذا العدو المخذول مازال معنا على هذه الوتيرة ، وأنهم ما أقدموا إلا ونصر الله عليهم في مواطن كثيرة ؛ وما ساقتهم الأطماع في وقتٍ إلا إلى حتوفهم ، ولا عاد منهم قط في
الصفحة 161
236