كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
أعلى من علم ؛ وتوسل من كان منهم يظهر الغلظة بالذلة والخضوع وتوصل من كان منهم يبدي القوة بالإخلاص الذي رأوه لهم أقوى الجنن وأوقى الدروع ؛ عاهدنا الله تعالى ألا نرد منهم آملاً ، ولا نصد عن مشارع كرمنا ناهلاً ؛ ولا نخيب من إحساننا راجياً ، ولا نجلي عن ظل برنا لاجياً ؛ علماً أن ذلك شكرٌ للقدر التي جعلها الله لنا على ذلك الآمل ، ووثوقاً بأنه حيث كان في قبضتنا كما نشاء نجمع عليه الأنامل ؛ إلا أن يكون ذلك اللاجئ للغل مسراً ، وعلى عدواة الإسلام مصراً ؛ فيكون هو الجاني على نفسه ، والجاثي على موضع رمسه ؛ ولما كان من تقدم بالمملكة الفلانية قد زين له الشيطان أعماله ، وعقد بحبال الغرور آماله ؛ وحسن له التمسك بالتتار الذين هم بمهابتنا محصورون في ديارهم ، مأسورون في حبائل إدبارهم ؛ عاجزون عن حفظ ما لديهم ، قاصرون عن ضبط ما استلبته سرايانا المنصورة من يديهم ؛ ليس منهم إلا من له عند سيوفنا ثار ، ومن يعلم أنه لابد له عندنا من خطتي خسف : إما القتل أو الإسار ؛ وحين تمادى المذكور في غيه ، وحمله الغرور على ركوب جواد بغيه ؛ أمرنا جيوشنا المنصورة فجاست خلال تلك الممالك وداست حوافر خيلها ما هنالك ، وساوت في عموم القتل والأسر بين العبد والحر والمملوك والمالك ؛ وألحقت رواسي جبالهم بالصعيد ، وجعلت حماتهم كزروع فلاتهم منها قائمٌ وحصيد ؛ فأسلمهم الشيطان ومر ، وتركهم وفر ، وما كرهم وما كر وأعلمهم أن الساعة موعدهم " والساعة أدهى وأمر " وأخلفهم ما ضمن لهم من العون وقال لهم : " إني بريءٌ منكم إني أرى ما لا ترون " وكان الملك فلان ممن يريد طرق النجاة فلم ير إليها بسوى الطاعة سبيلاً ، ويأمل أسباب النجاح فلم يجد عليها غير صدق الانتماء دليلاً ؛ فأبصر بالخدمة موضع رشده ، وأدرك بسعيه نافر سعده ؛ وأراه الإقبال كيف تثبت قدمه في الملك الذي زلت عنه قدم من سلف ، وأظهر له الإشفاق على رعاياه مصارع من أورده سوء تدبير أخيه موارد التلف ، وعرفه التمسك بإحساننا كيف احتوت يده على ما لم يبق غضبنا في يد أخيه منه إلا الأسى والأسف ؛ وحسنت له الثقة بكرمنا كيف يجمل الطلب ، وعلمته الطاعة كيف تستنزل عوارفنا عن بعض ما غلبت عليه سيوفنا وإنما الدنيا لمن غلب ؛ وانتمى إلينا فصار من خدم أيامنا ، وصنائع إنعامنا ، وقطع علائقه من غيرنا ؛ فلجأ منا إلى ركن شديد ، وظل مديد ،
الصفحة 165
236