كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 166 """"""
ونصر عتيد ؛ وحرمٍ يأوي آمله إليه ، وكرمٍ تقر نضارته ناظريه ، وإحسان يمتعه بما أقره عطاؤنا في يديه ، وامتنان يضع عنه إصره والأغلال التي كانت عليه ؛ اقتضى إحساننا أن نغضي له عن بعض ما حلت جيوشنا ذراه وحلت سطوات عساكرنا عراه ؛ وأضعفت عزمات سرايانا قواه ، ونشرت طلائع جنودنا ما كان ستره صفحنا عنهم من عورات بلادهم وطواه ؛ وأن نخوله بعض ما روت خيولنا مناهله ، ووطئت جيادنا غاربه وكاله ؛ وسلكت كماتنا فملكت دارسه وآهله ؛ وأن نبقي مملكة البيت الذي مضى سلفه في الطاعة عليه ، ويستمر ملك الأرمن الذي أهمل السعي في مصالحه بيديه ، ليتيمن رعاياه به ، ويعلموا أنهم أمنوا على أرواحهم وأولادهم بسببه ؛ ويتحققوا أن أثقالهم بحسن توصله إلى طاعتنا قد خفت ، وأن بوادر الأمن بلطف توسله إلى مراضينا قد أطافت بهم وحفت وأن سيوفنا التي كانت مجردة على مقاتلهم بجميل استعطافه قد كفتهم بأسنا وكفت وأن سطواتنا الحاكمة على أرواحهم قد عفت عنهم بملاطفته وعفت ؛ فرسم أن يقلد كيت وكيت من المملكة الفلانية ، ويستقر بيده استقراراً لا ينازع في استحقاقه ولا يعارض فيما سبق من إعطائه وإطلاقه ؛ ولا يطالب عنه بقطيعه ، ولا يطلب منه بسببه غير طوية مخلصةٍ ونفسٍ مطيعة ؛ ولا يخشى عليه يداً جائرة ، ولا سريةً في طلب الغرة سائره ؛ ولا يطرق كناسه أسد جيوش مفترسة ، ولا سباع نهابٍ مختلسة ؛ بل تستمر بلاده المذكورة في ذمام رعايتنا ، وحصانه عنايتنا ؛ وكنف إحساننا ، ووديعة برنا وامتناننا ؛ لا تطمح إليها عين معاند ، ولا يمتد إليها إلا ساعد مساعد ، وعضد معاضد ؛ فليقابل هذه النعمة بشكر الله الذي هداه إلى الطاعة وصان بإخلاص ولائه نفسه بلاده من الإضاعة ؛ وليقرن ذلك بإصفاء موارد المودة ، وإضفاء ملابس الطاعة التي لا تزداد بحسن الوفاء إلا جده ؛ واستمرار المناصحة في السر والعلن ، واجتناب لمخادعة ما ظهر منها وما بطن ، وأداء الأمانة فيما استقر معه لحلف عليه ، ومباينة ما يخشى أن يتوجه بسببه وجه عتب إليه ؛ واستدامة هذه النعمة بحفظ أسبابها ، واستقامة أحوال هذه المنة برفض موجبات الكدر واجتنابها ، وإخلاص النية التي لا تعتبر ظواهر الأحوال الصالحة إلا بها .

الصفحة 166