كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 170 """"""
ومنه : وليعلم أن جيوشنا في المسير إليه متى قصدت عدواً سابقت خيولها خيالها ، وجارت جيادها ظلالها ، وأنفت سنابكها أن تجعل غير جماجم الأعداء نعالها ؛ وها هي قد تقدمت ونهضت لإنجاده ، فلو سامها أن تخوض البحار في سبيل الله لخاضت ، أو تصدم الجبال لصدمت .
ومنه : والشرع الشريف مهمه المقدم ، وأمره السابق على كل ما تقدم ؛ فليعل مناره ، ويستشف من أموره أنواره ؛ وينفذ أحكامه ، ويعاضد حكامه ؛ ومن عدل عن حكمه معانداً ، أو ترك شيئاً من أحكامه جاحداً ؛ فقد برئت الذمة من دمه حتى يفيء إلى أمر الله ، ويرجع عن عناده وينيب إلى الله ؛ فإن الله يهدي إليه من أناب " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " وأما الرسائل التي تتضمن أوصاف السلاح وآلات الحرب وأوصاف الخيل والجوارح وأنواع الرياضات وما أشبه ذلك ، فالكاتب فيه مطلق العنان ، مخلي بينه وبين فصاحته ، وموكولٌ إلى اطلاعه وبلاغته ؛ وقد تقدم من أوصاف السلاح ما فيه كفايةٌ لمن يريد ذلك .
وأما الخيل والجوارح وما يلتحق بذلك من الفهود والضواري فلا غنية للكاتب عن معرفته جيادها ، والأمارات الذالة على فراهتها ، وكل طير من الجارح وأفعاله واستطالته ، وكيفية فعله ، وتمكنه من الطير والوحش ؛ وسنورد إن شاء الله تعالى في فن الحيوان الصامت - وهو الفن الثالث من هذا الكتاب - ما يقتدي الكاتب بمثاله ، وينسج على منواله .
وأما الرسائل التي تعمل رياضةً للخواطر وتجربةً للقرائح ، كالمفاخرات بين الفواكه والأزهار ، ووصف الرياحين والأنهار والغدران والسواقي والجداول والبحار والمراكب وأمثال ذلك ، فقد تقدم منها في الفن الأول من هذا الكتاب ما وقفت أو تقف عليه ، وسنورد منها إن شاء الله تعالى في الفن الرابع في النبات ما تجده هناك .
وأما الرسائل الإخوانية وما يتجدد من الأمور ويطرأ من الحوادث وغير ذلك ، فسنورد إن شاء الله تعالى منها في هذا الباب ما نتخبناه من رسائل الكتاب والبلغاء المشارقة والمغاربة على ما تقف عليه ؛ ولنبدأ من ذلك بذكر شيء من كلام الصحابة والصدر الأول .

الصفحة 170