كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 174 """"""
فيه في كن الصبا ، وخدر الغرارة ، وعنفوان الشبيبة غافلاً عما يشيب ويريب ، ولا تعي ما يراد ويشاد ، ولا تحصل ما يساق ويقاد ، سوى ما أنت جار عليه إلى غايتك التي إليها عدل بك ، وعندها حط رحلك ، غير مجهول القدر ، ولا مجحود الفضل ، ونحن في أثناء ذلك نعاني أحوالاً تزيل الرواسي ، ونقاسي أهوالاً تشيب النواصي ؛ خائضين غمراها ، راكبين تيارها ؛ نتجرع صابها ، ونشرج عيابها ؛ ونحكم آساسها ، ونبرم أمراسها ؛ والعيون تحدج بالحسد ، والأنوف تعطس بالكبر ، والصدور تستعر بالغيظ ، والأعناق تتطاول بالفخر ، والشفار تشحذ بالمكر ، والأرض تميد بالخوف ، لا ننتظر عند المساء صباحاً ، ولا عند الصباح مساءً ، ولا ندفع في حر أمر إلا بعد أن نحسو الموت دونه ، ولا نبلغ مراداً إلى شيء إلا بعد جرع العذاب معه ، ولا نقيم مناراً إلا بعد الإياس من الحياة عنده ، فادين في جميع ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالأب والأم ، والخال والعم ، والمال والنشب ، والسبد واللبد ، والهلة والبلة ، بطيب أنفس ، وقرة أعين ، وحب أعطان ، وثبات عزائم ، وصحة عقول ، وطلاقة أوده ، وذلاقة ألسن ، هذا مع خفيات أسرار ، ومكنونات أخبار كنت عنها غافلاً ، ولولا سنك لم تكن عن شيء منها ناكلاً ؛ كيف وفؤادك مشهوم ، وعودك معجوم والآن قد بلغ الله بك ، وأنهض الخير لك ، وجعل مرادك بين يديك ، وعن علم أقول ما تسمع ؛ فارتقب زمانك ، وفلّص أردانك ؛ ودع التقعس والتجسس لمن لا يظلع لك إذا خطا ، ولا يتزحزح عنك إذا عطا ؛ فالأمر غض ، والنفوس فيها مض ؛ وإنك أديم هذه الأمة فلا تحلم لجاجاً ، وسيفها العضب فلا تنب اعواجاجاً ، وماؤها العذب فلا تحل أجاجاً ؛ والله لقد سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذا الأمر فقال لي : " يا أبا بكر ، هو لمن يرغب لا لمن يجاحش عليه ، ولمن يتضاءل عنه لا لمن ينتفج

الصفحة 174