كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
مهدية بالحق والصدق ، مأمونة على الرتق والفتق ، لها من الله إباء أبي ، وساعد قوي ، ويد ناصره ، وعين ناظره ، أتظن ظناً يا علي أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتاناً على الأمة ، خادعاً لها ، أو متسطاً " عليها " أتراه حل عقودها " وأحال عقولها " أتراه جعل نهارها ليلاً ، ووزنها كيلاً ، ويقظتها رقاداً ، وصلاحها فساداً لا والله ، سلا عنها فولهت له ، وتطامن لها فلصقت به ، ومال عنها فمالت إليه ، واشمئز دونها فاشتملت عليه ، حبوةً حباه الله بها ، وعاقبةً بلغه الله إليها ، ونعمة سربله جمالها ، ويداً أوجب عليه شكرها وأمةً نظر الله به لها ، والله تعالى أعلم بخلقه ، وأرأف بعباده يختار ما كان لهم الخيرة ، وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة ومعدن الرسالة ، ولا يجحد حقك فيما أتاك الله ، ولكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم وقرب أمس من قرابتك ، وسن أعلى من سنك ، وشيبة أروع من شيبتك ، وسيادة لها أصل في الجاهلية وفرع في الإسلام ، ومواقف ليس لك فيها جمل ولا ناقة ، ولا تذكر فيها في مقدمة ولا ساقه ، ولا تضرب فيها بذراع ، ولا إصبع ، ولا تخرج منها ببازل ولا هبع ، ولم يزل أبو بكر حبة قلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعلاقة نفسه وعيبة سره ، ومفزع رأيه ، وراحة كفه ، ومرمق طرفه ، وذلك كله بمحضر الصادر والوارد من المهاجرين والأنصار شهرة مغنية عن الدليل عليه ولعمري ، إنك أقرب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرابة ، ولكنه أقرب منك قربة ، والقرابة لحم ودم ، والقربة نفس وروح ، وهذا فرق عرفه المؤمنون ولذلك صاروا إليه أجمعون ومهما شككت في ذلك فلا تشك أن يد الله مع الجماعة ورضوانه لأهل الطاعة ، فادخل فيما هو خير لك اليوم وأنفع غداً ، وألفظ من فيك ما يعلق بلهاتك وانفث سخيمة صدرك عن تقاتك ، فإن يك في الأمل طول ، وفي الأجل فسحة ، فستأكله مريئاً أو غير مري ، وستشربه هنيئاً أو غير هنئ ، حين لا راد لقولك إلا من كان منك ، ولا تابع لك إلا من كان طامعاً فيك ، يمص إهابك ، ويعرك أديمك ، ويزري على هديك ، هنالك تقرع السن من ندم ، وتجرع الماء ممزوجاً بدم ، وحينئذ تأسى على ما مضى من عمرك ودارج قوتك فتود ، أن لو سقيت بالكأس التي أبيتها ، ورددت إلى حالتك التي استغويتها ، ولله تعالى فينا وفيك أمرٌ هو بالغه ، وغيبٌ هو شاهده ، وعاقبةٌ هو المرجو لسرائها وضرائها ، وهو الولي الحميد ، الغفور الودود .
الصفحة 177
236