كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 178 """"""
قال أبو عبيدة : فمشيت متزملاً أنوء كأنما أخطو على رأسي فرقاً من الفرقة ، وشفقاً على الأمة ، حتى وصلت إلى علي رضي الله عنه في خلاء ، فأثبته بثي كله ، وبرئت إليه منه ، ورفقت به ؛ فلما سمعها ووعاها ، وسرت في مفاصله حمياها ؛ قال : حلت معلوطة ، وولت مخروطة ، وأنشأ يقول : إحدى لياليك فهيسي هيسي . . . لا تنعمي الليلة بالتعريس
نعم يا أبا عبيدة ، أكل هذا في أنفس القوم يحسون به ، ويضطبعون عليه ؟ قال أبو عبيدة : فقلت : لا جواب لك عندي ، إنما أنا قاض حق الدين ، وراتقٌ فتق المسلمين ، وساد ثلمة الأمة ، يعلم الله ذلك من جلجلان قلبي ، وقرارة نفسي ؛ فقال علي رضي الله عنه : والله ما كان قعودي في كسر هذا البيت قصداً للخلاف ، ولا إنكار للمعروف ، ولا زرايةً على مسلم ، بل لما وقذني به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من فراقه ، وأودعني من الحزن لفقده ، وذلك أنني لم أشهد بعده مشهداً إلا جدد علي حزناً ، وذكرني شجنا ، وإن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، وقد عكفت على عهد الله أنظر فيه ، وأجمع ما تفرق منه رجاء ثواب معد لمن أخلص لله عمله ، وسلم لعلمه ومشيئته ، وأمره ونهيه ، على أني ما علمت أن التظاهر علي واقع ولي عن الحق الذي سبق سبق لي دافع وإذ قد أفعم الوادي بي ، وحشد النادي من أجلي ، فلا مرحباً بما ساء أحداً من المسلمين وسرني ، وفي النفس كلامٌ لولا سابق عقد ، وسالف عهد ، لشفيت نفسي بخنصري وبنصري وخضت لجنه بأخمصي ومفرقي ، ولكني ملجمٌ إلى أن ألقى ربي ، وعنده أحتسب ما نزل بي ، وإني غاد إلى جماعتكم مبايعٌ لصاحبكم ، صابرٌ على ما ساءني وسركم ، " ليقضي الله أمراً كان مفعولاً " قال أبو عبيدة : فعدت إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقصصت القول غره ، ولم أختزل شيئاً من حلوه ومره ، وبكرت غدوةً إلى المسجد فلما كان

الصفحة 178