كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 179 """"""
صباح يومئذ إذاً عليّ يخترق الجماعة إلى أبي بكر رضي الله عنهما ، فبايعه ، وقال خيراً ووصف جميلاً ، وجلس زميتاً ، واستأذن للقيام فمضى ، وتبعه عمر مكرماً له ، مستثيراً لما عنده ، فقال علي رضي الله عنه : ما قعدت عن صاحبكم كارهاً له ، ولا أتيته فرقاً ، ولا أقول تعلة ، وإني لأعرف منتهى طرفي ، ومحط قدمي ، ومنزع قوسي ، وموقع سهمي ، ولكن قد أزمت على فأسي ثقةً بربي في الدنيا والآخرة . فقال له عمر رضي الله عنهما : كفكف غربك ، واستوقف سربك ودع العصا بلجائها ، والدلاء على رشائها ، فإنا من خلفها وورائها ؛ إن قدحنا أورينا ، وإن متحنا أروينا ، وإن قرحنا أدمينا ، ولقد سمعت أماثيلك التي لغزت فيها عن صدر أكل بالجوي ، ولو شئت لقلت على مقالتك ما إن سمعته ندمت على ما قلت ؛ وزعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما وقذك به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من فقده ، فهو وقذك ولم يقذ غيرك ؟ بل مصابه أعم وأعظم من ذلك ، وإن من حق مصابه ألا تصدع شمل الجماعة بفرقة لا عصام لها ، ولا يؤمن كيد الشيطان في بقائها ، هذه العرب حولنا ، والله لو تداعت علينا في صبح نهار لم نلتق في مسائه ؛ وزعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، فمن علامة الشوق إليه نصرة دينه ، ومؤازرة أوليائه ومعاونتهم ؛ وزعمت أنك عكفت على عهد الله تجمع ما تفرق منه ، فمن العكوف على عهد الله النصيحة لعباد الله ، والرأفة على خلق الله ، وبذل ما يصلحون به ويرشدون عليه ؛ وزعمت أنك تعلم أن التظاهر وقع عليك ، وأي حق لط دونك ؟ قد سمعت وعلمت ما قالت الأنصار بالأمس سراً وجهراً ، وتقلبت عليه بطناً وظهراً ، فهل ذكرتك أو أشارت بك ، أو وجدت رضاهم عنك ؟ هل قال أحد منهم بلسانه : إنك تصلح لهذا الأمر ، أو أومأ بعينه ، أو همهم في نفسه ؟ أتظن أن الناس ضلوا من أجلك ، وعادوا كفاراً زهداً فيك وباعوا الله تعالى تحاملا عليك ؟ لا والله ، لقد جاءني عقيل بن زيادٍ الخزرجي " في نفر من أصحابه ومعهم شرجبيل بن يعقوب الخزرجي " وقالوا : إن علياً ينتظر الإمامة ، ويزعم أنه أولى بها من غيره ، وينكر على

الصفحة 179