كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
من الصبيان قبل اعتراض الأشغال ، ومن العميان قبل التمتع بتمييز الأشخاص ، حين العناية تامة لم تنتقص والأذهان فارغة لم تستقم ، والإرادات وافرة لم تستعتب ، والطينة لينة فهي أقبل ما تكرن للطابع والقضيب رطب فهو أقرب ما يكون للعلوق ، حين هذه الخصال لم يلبس جديدها ، ولم تتفرق قواها ، وكانت كقول الشاعر :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى . . . فصادف قلبي فارغاً فتمكنا
وقال ذو الرمة لعيسى بن عمر : أكتب شعري فالكتاب أعجب إلى من الحفظ لأن الأعرابي ينسى الكلمة قد تعب في طلبها يوماً أو ليلةً ، فيضع موضعها كلمة في وزنها لم ينشدها الناس ، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلام بكلام ، قال : ولا أعلم جارا أبرأ ، ولاخليطا أنصف ، ولا رفيقاً أطوع ، ولا معلماً أخضع ، ولا صاحباً أظهر كفاية ، ولا أقل خيانة ولا أقل إبراماً وإمالاً ولا أقل خلافاً وإجراماً ولا أقل غيبة ، ولا أكثر أعجوبة وتصرفاً ، ولا أقل صلفاً وتكلفاً ، ولا أبعد من مراء ، ولا أترك لشغب ، ولا أزهد في جدال ، ولا أكف عن قتال من كتاب ؛ ولا أعلم شجرة أطول عمراً ، ولا أجمع أمراً ، ولا أطيب ثمرة ، ولا أقرب مجتني ولا أسرع إدراكاً ، ولا أوجد في كل إبان من كتاب ؛ ولا أعلم نتاجاً في حداثة سنه وقرب ميلاده ، وحضور ذهنه ، وإمكان موجوده ، يجمع من التدابير العجيبة ، والعلوم الغريبة ، ومن آثار العقول الصحيحة ، ومحمود الأذقان اللطيفة ، ومن الأخبار عن القرون الماضية والبلاد المتراخية ، والأمثال السائرة ، والأمم البائدة ما يجمع الكتاب ؛ وقد قال الله تبارك اسمه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : " اقرأ باسم ربك الأكرم الذي علم بالقلم " فوصف نفسه تعالى جده بأن علم بالقلم ، كما وصف به نفسه بالكرم ، واعتد بذلك من نعمه العظام ، وفي أياديه الجسام .