كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 180 """"""
من يعقد الخلافة ، فأنكرت عليهم ، ورددت القول في نحورهم حين قالوا : إنه ينتظر الوحي ، ويتوكف مناجاة الملك ، فقلت : ذلك أمرٌ طواه الله تعالى بعد نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، أكان الأمر معقوداً بأنشوطة ، أو مشدوداً بأطراف ليطة ؟ كلا والله ، لا عجماء بحمد الله إلا وقد أفصحت ، ولا شوكاء إلا وقد تفتحت ؛ ومن أعجب شأنك قولك : لولا سالف عهد ، وسابق عقد ، لشفيت غيظي ، وهل ترك الدين لأهله أن يشفوا غيظهم بيد أو لسان ؟ تلك جاهليةٌ قد استأصل الله شأفتها ، واقتلع جرثومتها ؛ وهور ليلها ، وغور سيلها ؛ وأبدل منها الروح والريحان ، والهدى والبرهان ؛ وزعمت أنك ملجم ، ولعمري إن من اتقى الله ، وآثر رضاه ، وطلب ما عنده ، أمسك لسانه ، وأطبق فاه ، وجعل سعيه لما وراه .
فقال علي رضي الله عنه : مهلا مهلا يا أبا حفص ، والله ما بذلت ما بذلت وأنا أريد نكثه ، ولا أقررت ما أقررت وأنا أبتغي حولاً عنه ؛ وإن أخسر الناس صفقةً عند الله من آثر النفاق ، واحتضن الشقاق ؛ وفي الله سلوةٌ عن كل حادث ، وعليه التوكل في كل الحوادث ؛ ارجع يا أبا حفص إلى مجلسك ناقع القلب ، مبرود الغليل ، فسيح اللبان ، فصيح اللسان ، فليس وراء ما سمعت وقلت إلا ما يشد الأزر ، ويحط الوزر ، ويضع الإصر ، ويجمع الألفة بمشيئة الله وتوفيقه .
قال أبو عبيدة رضي الله عنه : فانصرف علي وعمر رضي الله عنهما ، وهذا أصعب ما مر علي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . ومن كلام عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وهو مما اتصل إلينا بالرواية الصحيحة ، والأسانيد الصريحة ، عن محمد بن أحمد ابن أبي المثنى عن جعفر بن عون ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : أنه بلغها أن أقواماً يتناولون أبا بكر رضي الله عنه ، فأرسلت أزفلة من الناس ، فلما حضروا أسدلت أستارها ، وعلت وسادها ، ثم قالت : أبي وما أبيه ، أبي والله لا تعطوه الأيدي ، ذاك طود منيف وظل مديد ، هيهات ، كذبت الظنون ، أنجح إذ أكديتم ، وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد

الصفحة 180