كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 181 """"""
فتى قريش ناشئا ، وكهفها كهلا ، يفك عانيها ، ويريش مملقها ، ويرأب شعبها ويلم شعثها ، حتى حليته قلوبها ، ثم استشرى في دين الله ، فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ، ما أمات المبطلون ، وكان رحمه الله غزير الدمعة ، وقيد الجوانح ، شجى النشيج ، فانعطفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ، ويستهزئون به ، " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " فأكبرت ذلك رجالات قريش ، فحنت قسيها ، وفوقت سهامها ، وامتثلوه غرضلاً فما فلوا صفاة ، ولا قصفوا له قناة ، ومر على سيسائه ، حتى إذا ضرب الدين بجرانه وألقى بركه ، ورست أوتاده ، ودخل الناس فيه أفواجاً ، ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا اختار الله لنبيه ما عنده ، فلما قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) نصب الشيطان رواقه ، ومد طنبه ، ونصب حبائله ، وأجلب بخيله ورجله واضطرب حبل الإسلام ، ومرج عهده ، وماج أهله ، وبغى الغوائل ، وظنت رجال أن قد أكثب نهزها ، ولات حين الذي يرجون ، وأنى والصديق بين أظهرهم ؟ فقام حاسراً مشمراً ، فجمع حاشيته ورفع قطريه ، فرد رسن الإسلام على غربه ، ولم شعثه بطبه ، وأقام أوده بثقافه ، فابذعرّ النفاق بوطئه ، وانتاش الدين فنعشه ، فلما أراح الحق على أهله ، وقرر الرءوس على كواهلها ، وحقن الدماء في أهبها ، ائته منيته ، فسد ثلمته بنظيره في الرحمة ، وشقيقه في السيرة والمعدلة ، ذاك ابن الخطاب لله در أم حفلت له ، ودرت عليه ، لقد أوحدت به ففنخ الكفرة وديخها ، وشرد الشرك شذر مذر ، وبعج الأرض ونجعها ، فقاءت أكلها ، ولفظت جننيها ، ترأمه ويصدف عنها تصدي له ويا باها ، ثم وزع فيها فيئها وودعها كما صحبها ، فأروني ما ترتابون ؟ وأي يومي أبي تنقمون ؟ أيوم إقامته إذا عدل فيكم ، أم يوم ظعنه وقد نظر لكم ؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت : أنشدكم الله ، هل أنكرتم مما قلت شيئاً ؟ قالوا : اللهم لا .

الصفحة 181