كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
يلحق الهيجا حمل " فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد ، وأنا مرقلٌ نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان شديدٍ زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم ، قد صحبتهم ذريةٌ بدرية ، وسيوفٌ هاشمية ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك " وما هي من الظالمين ببعيد " .
ومن كلام الأحنف بن قيس حين وبخه معاوية بن أبي سفيان بتخذيله عائشة رضي الله عنها ، وأنه شهد صفين ، وقال له : فعلت وفعلت ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ، لم ترد الأمور على أعقابها ؟ أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا ، والسيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن مددت بشبرٍ من غدرٍ ، لنمدن باعاً من ختر ، ولئن شئت لتستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك ؛ قال معاوية : أفعل .
وجلس معاوية يوماً وعنده وجوه الناس ، وفيهم الأحنف ، فدخل رجلٌ من أهل الشام ، فقال خطيباً ، فكان آخر كلامه أن لعن علياً رضي الله عنه ، فأطرق الناس ، وتكلم الأحنف فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا القائل آنفاً ما قال لو علم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم ، فاتق الله ، ودع علياً فقد لقي الله ، وأفرد في حفرته ، وخلا بعمله ، وكان والله - ما علمنا - المبرز بشقه ، الطاهر في خلقه ، الميمون النقيبه ، العظيم المصيبه . قال معاوية : يا أحنف ، لقد أغضيت العين على القذى ، وقلت بغير ما ترى ، وايم الله لتصعدن المنبر فلتلعننه طائعاً أو كارهاً ؛ فقال الأحنف : إن تعفني فهو خير ، وإن تجبرني على ذلك فوا لله لا تجري به شفتاي ؛ فقال معاوية : قم فاصعد ؛ قال : أما والله لأنصفنك في القول والفعل ؛ قال معاوية : وما أنت قائلُ إن أنصفتني ؟ قال : أصعد فأحمد اللّه وأثني عليه وأصليّ على نبيه ، ثم أقول : أيها الناس ، إن معاوية أمرني أني ألعن علياً ، ألا وإن عليّاً ومعاوية اختلفا واقتتلا ، وادعي كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته ، فإذا دعوت فأمنوا رحمكم اللّه ؛ ثم أقول : اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك ورسلك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه والفئة على المبغي عليها ، آمين يا رب العالمين ؛ فقال معاوية : إذن نعفيك يا أبا بحر .
الصفحة 185
236