كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 187 """"""
الشريف تأميلاً ، وتكن لهم أبا وصولاً ؛ وإن تكن مع ما نمت " به " من وسائلك ، وندلي " به " من أسبابك كالجدل لا يحل ولا يرتحل ، نرجع بأنوف مصلومة ، وجدودٍ عاثرةٍ ، فمحنا وأهلينا بسجلٍ مترعٍ " أي الدلو الملآنة " من سجلاك المترعة .
وقام زيد بن جبلة فقال : يا أمير المؤمنين ، سودّ الشريف ، وأكرم الحسيب ، وازرع عندنا من أياديك ما تسدّ به الخصاصة ، وتطرد به الفاقة ؛ فإنا بقفر من الأرض يابس الأكناف ، مقشعرّ الذروة ، لا متّجر ولا زرع ، وإنا من العرب اليوم إذ أتيناك بمرأي ومسمع .
فقام الأحنف فقال : يا أمير المؤمنين ، إن مفاتيح الخير بيد اللّه ، والحرص قائد الحرمان ، فاتق اللّه فيما لا يغني عنك يوم القيامة قيلاً ولأ قالا ، واجعل بينك وبين رعيتك من العدل والإنصاف شيئاً يكفيك وفادة الوفود ، واستماحة الممتاح ، فإن كلّ امرئ إنما يجمع في وعائه إلا الأقل ممن عسى أن تقتحمه الأعين فلا يوفد إليك .
ومن كلام أم الخير بن الحريش البارقية ، - وكانت من الفصحاء - حكي أنها لما وفدت على معاوية قال لها كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر ؟ قالت : لم أكن والله زورته قبل ولا رويته بعد ، إنما كانت كلماتُ نفثهن لساني حين الصدمة ، فإن شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت ، قال : لا أشاء ذلك ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : أيكم حفظ كلام أم الخير ؟ فقال رجل من القوم : أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد ، قال : هاته ، قال : نعم ، كأني يا أمير المؤمنين عليها بردٌ زبيدي ، كثيف الحاشية ، وهي على جمل أرمك ، وقد أحيط حولها وبيدها سوطٌ منتشر الصفر ، وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول : " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن لزلزلة الساعة شيءٌ عظيم " إن الله قد أوضح الحق ، وأبان الدليل ، ونور السبيل ، ورفع العلم ، فلم يدعكم في عمياء

الصفحة 187