كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
فقال معاوية : والله يا أم الخير ما أردت بهذا إلا قتلي ، والله لو قتلت ما حرجت في ذلك ؛ قالت : والله ما يسوءني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه ؛ قال : هيهات يا كثيرة الفضول ، ما تقولين في عثمان بن عفان ؟ قالت : وما عسيت أن أقول فيه ؟ استخلفه الناس وهم كارهون ، وقتلوه وهم راضون ؛ فقال : إيهاً يا أم الخير ، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه ؛ لكن الله يشهد " وكفى بالله شهيداً " ما أردت بعثمان نقصاً ، ولقد كان سباقاً إلى الخيرات ، وإنه لرفيع الدرجات ؛ قال : فما تقولين في طلحة بن عبيد الله ؟ قالت : وما عسى أن أقول في طلحة ؟ اغتيل من مأمنه ، وأتي من حيث لم يحذر ، وقد وعده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الجنة ؛ قال : فما تقولين في الزبير ؟ قالت : يا هذا لا تدعني كرجيع الضبع يعرك في المركن ؛ قال : حقاً لتقولن ذلك ، وقد عزمت عليك ؛ قالت : وما عسيت أن أقول في الزبير ابن عمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحواريه ، وقد شهد له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالجنة ، ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمةٍ في الإسلام ؛ وإني أسألك بحق الله يا معاوية - فإن قريشاً تحدث أنك من أحلمها - أن تسعى بفضل حلمك ، وأن تعفيني من هذه المسائل ، وامض إلى ما شئت من غيرها ؛ قال : نعم وكرامة ، قد أعفيتك ، وردها مكرمةً إلى بلدها .
وممن اشتهر بالفصاحة والبلاغة زياد بن أبيه ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، وسنذكر من كلامهما في التاريخ عند ذكرنا لأخبارهما لما ولي كل منهما العراق ، وما خطب الناس به ، ولنذكر في هذا الموضع من كلام الحجاج ما لم نورده هناك .
قيل : لما قدم الحجاج البصرة خطب فقال : أيها الناس ، من أعياه داؤه فعندي دواؤه ؛ ومن استطال أجله ، فعلي أن أعجله ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله ؛ ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه ؛ إن للشيطان طيفاً ، وللسلطان سيفاً ؛ فمن سقمت سريرته ، صحت عقوبته ؛ ومن وضعه ذنبه ، رفعه صلبه ، ومن لم تسعه العافية ، لم تضق عنه الهلكة ؛ ومن سبقته بادرة فمه ، سبق بدنه بسفك دمه ؛ إني أنذر ثم لا أنظر ، وأحذر ثم لا أعذر ، وأتوعد ثم لا أعفو ، إنما أفسدكم ترنيق ولاتكم ،
الصفحة 189
236