كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 193 """"""
وتعقب النار بعد الذلة ؛ واتقوا زلة اللسان ، فإن الرجل تزل رجله فينتعش ، ويزل لسانه فيهلك ؛ وعليكم في الحرب بالمكيدة ، فإنها أبلغ من النجدة .
ولما استخلف ابنه المغيرة على حرب الخوارج ، وعاد هو إلى عند مصعب بن الزبير ، جمع الناس فقال لهم : إني قد استخلفت عليكم المغيرة ، وهو أبو صغيركم رقةً ورحمة ، وابن كبيركم طاعةً وتبجيلاً وبراً ، وأخو مثله مواساةً ومناصحةً ، فلتحسن له طاعتكم ، وليلن له جانبكم ، فوا لله ما أردت صواباً قط إلا سبقني إليه .
وخطب عبد الملك بن مروان ، فلما بلغ الغلظة قام إليه رجل من آل صوحان فقال : مهلا مهلاً يا بني مروان ، تأمرون ولا تأتمرون ، وتَنهون ولا تُنهون ، وتَعظون ولا تتعظون ؛ أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم ، أم نطيع أمركم بألسنتكم ؟ فإن قلتم : اقتدوا بسيرتنا ، فأنى وكيف ، وما الحجة ، وما المصير من الله ؟ أنقتدي بسيرة الظلمة الفسقة الجورة الخونة ، الذين اتخذوا مال الله دولاً ، وعبيده خولاً ؟ وإن قلتم : اسمعوا نصيحتنا ، وأطيعوا أمرنا ، فكيف ينصح لغيره من يغش نفسه ؟ أم كيف تجب الطاعة لم لم تثبت عند الله عدالته ؟ وإن قلتم : خذوا الحكمة من حيث وجدتموها ، وأقبلوا العظة ممن سمعتموها ، فعلام وليناكم أمرنا ، وحكمناكم في دمائنا وأموالنا ؟ أما علمتم أن فينا من هو أنطق منكم باللغات ، وأفصح بالعظات ؟ فتخلوا عنها ، وأطلقوا عقالها ، وخلوا سبيلها ، ينتدب إليها آل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذين شردتموهم في البلاد ، ومزقتموهم في كل واد ، بل تثبت في أيديكم لانقضاء المدة ، وبلوغ المهلة ، وعظم المحنة ؛ إن لكل قائمٍ قدراً لا يعدوه ، ويوماً لا يخطوه ، وكتاباً بعده يتلوه ، " لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها " " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " . ثم التمس الرجل فلم يوجد .
ومن كلام قطري بن الفجاءة - وكان من البلغاء الأبطال ، فمن ذلك هطبته المشهورة التي قال فيها : أما بعد ، فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوةٌ خضرة ، حفت بالشهوات ، وراقت بالقليل ، وتحببت بالعاجلة ، وحليت بالآمال ، وتزينت بالغرور ؛ لا تقوم نضرتها ، ولا تؤمن فجيعتها ؛ غرارةٌ ضرارة ، وحائلةٌ زائلة ، ونافدةٌ بائدة ، أكالةٌ غوالة ؛ لا تعدو إذا

الصفحة 193