كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 196 """"""
قال : الظفر بالملك ؛ قيل له : فاطلب ؛ قال : إن الملك لا يدرك إلا بركوب الأهوال ؛ قيل : فاركب الأهوال ؛ قال : هيهات ، العقل مانعٌ من ركوب الأهوال ؛ قيل : فما تصنع وأنت تبلى حسرةً ، وتذوب كمداً ؟ قال : سأجعل من عقلي بعضه جهلاً ، وأحاول به خطراً ، لأنال بالجهل ما لا تنال إلا به ، وأدبر بالعقل ما لا يحفظ إلا بقوته ، وأعيش عيشاً يبين مكان حياتي فيه من مكان موتي عليه ، فإن الخمول أخو العدم ، والشهرة أبو الكون .
وكتب إليه عبد الحميد بن يحيى كتاباً عن مروان بن محمد ، وقال لمروان : قد كتبت كتاباً إن نجع فذاك ، وإلا فالهلاك ، وكان لكبر حجمه يحمل على جمل ، نفث فيه حواشي صدره ، وضمنه غرائب عجره وبجره ، فلما ورد على أبي مسلم دعا بنار فطرحه فيها إلا قدر ذراع فإنه كتب عليه :
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى . . . ليوث الوغى يقد من كل جانب
فإن يقدموا تعمل سيوفاً شحيذةً . . . يهون عليها العب من كل عاتب
ورده ، فأيس الناس من معالجته .
وقيل : إنه شجر بينه وبي صاحب مروٍ كلامٌ أربى فيه صاحب مروٍ عليه ، فاحتمله أبو مسلم وقال : مَهْ ، لسانٌ سبق ، ووهمٌ أخطأ ، والغضب شيطان ، وأنا جرأتك علي باحتمالك ، فإن كنت للذنب متعمداً فقد شاركتك فيه ، وإن كنت مغلوباً فالعفو يسعك ، فقال له صاحب مرو : عظم ذنبي يمنع قلبي من الهدوء ؛ فقال أبو مسلم : يا عجباً ، أقابلك بإحسان وأنت تسيء ، ثم أقابلك بإساءة وأنت تحسن فقال صاحب مرو : الآن وثقت بعفوك .
ومن كلام جماعة من أمراء الدولتين
خطب يوسف بن عمر فقال : اتقوا الله عباد الله ، فكم من مؤمل أملاً لا يبلغه ، وجامعٍ مالاً لا يأكله ، ومانعٍ ما سوف يتركه ؛ ولعله م باطلٍ جمعه ، ومن حق

الصفحة 196