كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 200 """"""
بعضاً ، فلا ينقطع الكلام على ما تقف إن شاء الله تعالى عليه في مواضعه ، فلنورد في هذا الموضع ما هو خارج عن ذلك النمط من كلامهم ، ولنبدأ بذكر شيء من المكاتبات البليغة الموجزة ؛ من ذلك ما كتب به عبد الحميد بن يحيى بالوصاة على إنسانٍ فقال : حق موصل هذا الكتاب عليك كحقه علي إذ رآك موضعاً لأمله ، ورآني أهلاً لحاجته ، وقد أنجزت حاجته ، فحقق أمله .
ومنه ما حكي أن المأمون قال لعمر بن مسعدة : اكتب إلى فلنٍ كتاب عنايةٍ بفلان في سطر واحد ، فكتب : هذا كتاب واثقٍ بمن كتب إليه ، معتنٍ بمن كتب له ، ولن يضيع الثقة والعناية حامله .
وكتب عمرو بن مسعدة إلى المأمون يستعطفه على الجند : كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من أجناده وقواده في الطاعة على أفضل ما تكون عليه طاعة جندٍ تأخرت أرزاقهم ، واختلت أحوالهم . فأمر بإعطائهم رزق ثمانية أشهر .
وكتب أحمد بن يوسف إلى المأمون يذكره بمن على بابه من الوفود فقال : إن داعي نداك ، ومنادي جدواك ، جمعاً ببابك الوفود ، يرجون نائلك العتيد ؛ فمنهم من يمت بحرمة ، ومنهم من يدلي بخدمة ؛ وقد أحجف بهم المقام ، وطالت عليهم الأيام ؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن ينعشهم بسيبه ، ويحتوش ظنونهم بطوله فعل . فوقّع المأمون في كتابه : الخير متبع ، وأبواب الملوك مواطن لذوي الحاجات ، فاحص أسماءهم ، واجل موائنهم ، ليصير إلى كل امرئ منهم قدر استحقاقه ، ولا تكدر معروفاً بالمطل والحجاب ، فإن الأول يقول :
فإنك لن ترى طرداً لحرٍ . . . كإلصاق به طرف الهوان
ولم يجلب مودة ذي وفاء . . . كمثل البذل أو بسط اللسان

الصفحة 200