كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 203 """"""
إنما امتد الإظلام ؛ وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ، ويمسي المرء إلا عن صباح ؟ ولعمري إن كان كرم العهد كتاباً يرد ، وجواباً يصدر ، إنه لقريب المنال ، وإني على توبيخه لي لفقيرٌ إلى لقائه ، شفيقٌ على بقائه ، منتسبٌ إلى ولائه ، شاكرٌ لالائه .
وكتب بديع الزمان يستعطفه : إني خدمت مولاي ، والخدمة رق بغير إشهاد ، وناصحه ، والمناصحة للود أوثق عماد ؛ ونادمته ، والمنادمة رضاع ثان ؛ وطاعمته ، والمطاعمة نسب دان ، وسافرت معه ، وللسفر والأخوة رضيعاً لبان ، وقمت بين يديه ، والقيام والصلاة شريكاً عنان ؛ وأثنيت عليه ، والثناء عند الله بمكان ؛ وأخلصت له ، والإخلاص مشكورٌ بكل لسان .
ومن كلام أبي الفضل محمد بن الحسين بن العميد - وكان وزيراً كاتباً - كتب عن ركن الدولة بن بويه كتاباً لمن عصى عليه : كتابي وأنا مترجحٌ بين طمع فيك ، وإياسٍ منك ، وإقبالٍ عليك ، وإعراضٍ عنك ؛ فإنك تدلي بسابق خدمة ، وتمت بسالف حرمة ؛ أيسرها يوجب رعاية ، ويقتضي محافظةً وعناية ؛ ثم تشفعهما بحادث غلولٍ وخيانة ، وتتبعهما بآنف خلافٍ ومعصية ؛ وأدنى ذلك يحبط أعمالك ، ويمحق كل ما يرعى لك ؛ لا جرم أني وقفت بين ميلٍ إليك ، وميلٍ عليك ؛ أقدم رجلاً لصمدك ، وأؤخر أخرى عن قصدك ؛ وأبسط يداً لاصطلامك واحتياجك ، وأثني ثانيةً نحو استبقائك واستصلاحك ؛ وأتوقف عن امتثال بعض المأمور فيك ضناً بالنعمة عندك ، ومنافسةً في الصنيعة لديك ؛ وتأميلاً لفيئتك وانصرافك ، ورجاءً لمراجعتك وانعطافك ؛ فقد يعزب العقل ثم يؤوب ، ويغرب اللب ثم يثوب ، ويذهب العزم ثم يعود ، ويفسد الحزم ثم يصلح ، ويضاع الرأي ثم يستدرك ، ويسكر المرء ثم يصحو ، ويكدر الماء ثم يصفو ؛ وكل ضيقةٍ فإلى رخاء ، وكل غمرةٍ فإلى انجلاء ؛ وكما أنك أتيت من إساءتك ما لم تحتسبه أولياؤك ، فلا تدع أن تأتي من إحسانك ما لم ترتقبه أعداؤك ؛ وكما استمرت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت ، واخترت ما اخترت ، فلا عجب أن تنتبه انتباهةً تبصر فيها قبيح ما صنعت ، وسوء ما آثرت ؛ وسأقيم على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح ، وعلى الاستيناء والمطاولة ما أمكن ، طمعاً في إنابتك ، وتحكيماً لحسن الظن بك ؛ فلست أعدم فيما أظاهره من إعذارك ، وأرادفه من إنذارك ،

الصفحة 203