كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 204 """"""
احتجاجاً عليك ، واستدراجاً لك ؛ وإن يشأ الله يرشدك ، ويأخذ بك إلى حظك ويسددك ؛ فإنه على كل شيء قدير . وفي فصل منه : وزعمت أنك في طرفٍ من الطاعة بعد أن كنت متوسطها ، وإن كنت كذلك فقد عرفت حالتها ، وحلبت شطريها ، فناشدتك الله لما صدقت عما أسألك : كيف وجدت ما زلت عنه ، وتجد ما صرت إليه ؟ ألم تكن من الأول في ظل ظليل ، ونسيمٍ عليل ، وريحٍ بليل ؛ وهواءٍ ندي ، وماءٍ روي ، ومهادٍ وطي ؛ وكن كنين ، ومكانٍ مكين ، وحصنٍ حصين ؛ يقيك المتالف ، ويؤمنك المخاوف ؛ ويكنفك من نوائب الزمان ، ويحفظك من طوارق الحدثان ؛ عززت به بعد الذلة ، وكثرت بعد القلة ؛ وارتفعت بعد الضعة ، وأيسرت بعد العسر ، وأثريت بعد المتربة ، واتسعت بعد الضيق ، وأطافت بك الولايات ، وخففت فوقك الرايات ؛ ووطئ عقبك الرجال ، وتعلقت بك الآمال ؛ وصرت تكاثر ويكاثر بك ، وتشير ويشار إليك ؛ ويذكر على المنابر اسمك ، وفي المحاضر ذكرك ؛ ففيم أنت الآن في الأمر ؟ وما العوض مما ذكرت وعددت ، والخلف عمّا وصفت ؟ وما استفدت حين أخرجت من الطاعة نفسك ، ونفضت منها كفك ، وغمست في خلافها يدك ؟ وما الذي أظلك بعد انحسار ظلها عنك ؟ أظل ذو ثلاث شعب ، لا ظليل ولا يغني من اللهب ؟ قل : نعم ، فذاك واللّه أكنف ظلالك في العاجلة ، وأروحها في الآجلة ؛ إن أقمت على المحادة والعنود ، ووقفت على المشاقة والجحود .
ومنه : تأمل حالك وقد بلغت هذا الفصل من كلامي فستنكرها ، والمس جسدك فانظر هل يحس ، واحسس عرقك هل ينبض ، وفتش ما حني عليه أضلاعك هل تجد في عرضها قلبك ؟ وهل حلا بصدرك أن تظفر بفوتٍ مزيج أو موت مريح ؟ ثم قس غائب أمرك بشاهده ، وآخر شأنك بأوله .
وكتب الصاحب أبو القاسم كافي الكفاة في وصف كتاب : ومن هو الذي لا يحبه وهو علم الفضل ، وواسطة الدهر ؛ وقرارة الأدب والعلم ، ومجمع الدراية والفهم ؛ أمن يرغب عن مكاثرة بمن ينسب الربيع إلى خلفه ويكتسب محاسنه من طبعه ، ويتوشح بأنواره ، ويتوضح بآثار لسانه ويده ؟ وصل كتابه ، فارتحت لعنوانه قبل عيانه ، حتى إذا فضضت ختامه أقبلت الفقر تتكاثر ، والدرر تتناثر ؛ والغرر تتراكم ،

الصفحة 204