كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
والنكت تتزاحم ؛ فإذا حكمت للفظة بالسبق أتت أختها تتنافس ، وأقبلت عليها تتفاخر ؛ حتى استعفيت من الحكومة ، ونفضت يدي من غبار الخصومة ؛ وأخذت أقول : كلكن صوادر عن أصل واحد فتسالمن ، وأرفاد عن معدن رافد فتصالحن ، وقد وليت النظر بينهما من كمل لنسج برودهما ، ووفى بنظم عقودهما ؛ على أنني يا مولاي أنشأت هذه الحروف وحولي أعمال وأشغال لا يسلم معهما فر ، ولا يسلم بينهما طبع ؛ وتناولت قلما ، كالابن العاق ، بل العدو المشاق ؛ إذا أردته استقال ، وإذا قومته مال ؛ وإذا حثثته وقف ، وإذا وقفته انحرف ؛ أحدل الشق ؛ متفاوت البري ، معدوم الجري ؛ محرف القط ، مثبج الخط ؛ ثم رأيت العدول عنه ضرباً من الانقياد لأمره ، والانخراط في سلكه فجهدته على رغمه ، وكددته على صعره ؛ لا جرم أن جناية اللجاج بادية على صفحات الحروف لا تخفي ، وعادية المحك لائحة على وجوه السطور تتجلى .
وكتب : واللّه يعلم أني أخبرت بورود كتابه واستفزني الفرج قبل رؤيته ، وهز عطفي المرح أمام مشاهدته ؛ فما أدري ، أسمعت بورود كتاب ، أم ظفرت برجوع شباب ؟ ثم وصل بعد انتظار له شديد ، وتطلع إلى وصوله طويل عريض ؛ فتأملته فلم أدر ما تأملت ، أخطأ مسطوراً ، أم روضاً ممطوراً ، أم كلاماً منثوراً ، أم وشيا منشورا ؟ ولم أدر ما أبصرت في أثنائه ، أأبيات شعر ، أم عقود درّ ؟ ولم أدر ما جملته ، أغيث حل بوادي ظمآن أم غوث سبق إلى لهفان ؟ وكتب : وصل كتاب القاضي فأعظمت قدر النعمة في مطلعه ، وأجللت محل الموهبة بموقعه ؛ وفضضته عن السحر حلالاً ، والماء زلالاً ؛ وسرحت الطرف منه في رياض رقت حواشيها ، وحللٍ تأنق واشيها ؛ فلم أتجاوز فصلاً إلا إلى أخطر منه فضلاً ، ولم أتخط سطراً إلا إلى أحسن منه نظماً ونثراً .
وكتب أيضاً : وصل كتابك فجعلت وصوله عيداً أؤرخ به أيام بهجتي ، وأفتتح به مواقيت غبطتي ؛ وعرفت من خبر سلامتك ما سألت الله الكريم أن يصله بالدوام ، ويرفعه على أيدي الأيام .

الصفحة 205