كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
الجلاء سباءٌ ، والنقلة مثلةٌ ، لعارفٌ أن الأدب الوطن الذي لا يخشى فراقه ، والخليط الذي لا يتوقع زواله ؛ والنسب الذي لا يجفي ؛ والجمال الذي لا يخفى ؛ ثم ما قران السعد للكواكب أبهى أثراً ، ولا أسنى خطراً ، من اقتران غني النفس به ، وانتظامها نسقا معه ؛ فإن الحائز لهما ، الضارب بسهمٍ فيهما - وقليلٌ ما هم - أينما توجه ورد منهمل بر ، وحطّ في جناب قبول ، وضوحك قبل إنزال رحله ، وأعطي حكم الصبي على أهله وقيل له :
أهلاً وسهلاً ومرحباً . . . فهذا مبيتٌ صالحٌ وصديق
غير أن الموطن محبوب ، والمنشأ مألوف ؛ واللبيب يحن إلى وطنه ، حنين النجيب إلى عطنه ؛ والكريم لا يجفو أرضاً فيها قوابله ، ولا ينسى بلداً فيه مراضعه ؛ وأنشد قول الأول :
أحب بلاد الله ما بين منعجٍ . . . إليّ وسلمى أن يصوب سحابها
بلادٌ بها عق الشباب تمائمي . . . وأول أرضٍ مس جلدي ترابها
هذا إلى مغالاتي في تعلق جوارك ، ومنافستي في الحظ من قربك ، واعتقادي أن الطمع في غيرك طبع ، والغني من سواك عناء ، والبدل منك أعور ، والعوض لفاء .
وإذا نظرت إلى أميري زادني . . . ضنا به نظري إلى الأمراء
" كل الصيد في جوف الفرا " و " وفي كل شجرٍ نار ، واستمجد المرخ والعفار " ؛ فما هذه البراءة ممن تولاك ، والميل عمن يميل إليك ؟ وهلا كان هواك فيمن هواه
الصفحة 223
236