كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 228 """"""
ومن كلام أبو حفص عمر بن الأصغر الأندلسي
فمن ذلك أمانٌ كتبه لمن عصى وعاود الطاعة : أما بعد : فإن الغلبة لنا والظهور عليك جلباك إلينا على قدمك ، دون عهد ولا عقدٍ يمنعان من إراقة دمك ؛ ولكنا بما وهب الله لنا من الإشراف على سرائر الرياسة ، والحفظ لشرائع السياسة ؛ تأملنا من ساس جهتك قبلنا فوجدنا يد سياسته خرقاء ، وعين حراسته عوراء ، وقدم مداراته شلاء ، لأنه غاب عن ترغيبك فلم ترجه ، وعن ترهيبك فلم تخشه ؛ فأدتك حاجتك إلى طلاب المطامع الدنية ، وقلة مهابتك إلى التهالك على المعاصي الوبية ؛ وقد رأينا أن تظهر فضل سيرتنا فيك ، وتعتبر بالنظر في أمرك ، فمهدنا لك الترغيب لتأنس إليه ، وظللنا لك الترهيب لتفرق منه ، فإن سوّت الحالتان طبعك ، وداوي الثقاف والنار عودك ، فذلك بفضل الله عليك ، وبإظهاره حسن السياسة فيك ؛ وأمان الله تعالى مبسوطٌ منا ، ومواثيقه بالوفاء معقودةٌ علينا ؛ وأنت إلى جهتك مصروف ، وبعفونا والعافية منا مكنوف ، إلا أن تطيش الصنيعة عندك فتخلع الربقة ، وتمرق من الطاعة ، فلسنا بأول من بغى عليه ، ولست بأول من تراءت لنا مقاتله من أشكالك إن بغيت ، وانفتحت لنا أبواب استئصاله من أمثالك إن طلبت .
يعاتب بعض إخوانه : أظلم لي جو صفائك ، وتوعرت علي طرق إخائك ؛ وأراك جلد الضمير على العتاب ، غير نافع الغلة من الجفاء ؛ فليت شعري ما الذي أقصى بهجة ذلك الود ، وأذبل زهرة ذلك العهد ؛ عهدي بك وصلتنا تفرق من اسم القطيعة ، وموديتنا تسأل عن صفة العتاب ونسبة الجفاء ، واليوم هي آنس بذلك من الرضع بالثدي ، والخليع بالكأس ؛ وهذه ثغرةٌ إن لم تحرسها المراجعة ، وتذك فيها عيون الاستبصار توجهت منها الحيل على هدم ما بيننا ، ونقض ما اقتنينا ؛ وتلك نائحة الصفاء ، والصارخة بموت الإخاء ؛ لا أستند أعزك الله من الكتاب إليك - وإن رغم أنف القلم ، وانزوت أحشاء القرطاس ، وأجر فم الفكر ، فلم يبق في أحدها إسعادٌ لي على مكاتبتك ،

الصفحة 228