كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 229 """"""
ولا بشاشةٌ عند محاولة مخاطبتك - لقوارص عتابك ، وقوارع ملامك التي أكلت أقلامك ، وأغصت كتبك ، وأضجرت رسلك ، وضميري طاوٍ لم يطعم تجنياً عليك ، ونفسي وادعةٌ لم تحرك ذنباً إليك ، وعقدي مستحكمٌ لم يمسسه وهنٌ فيك ؛ وأنا الآن على طرف الإخاء معك ، فإما أن تبهرني بحجة فأتنصل عندك ، وإما أن تفي بحقيقةٍ فأستديم خلتك ، وإما أن تأزم على يأسك فأقطع حبلي منك ؛ كثيراً ما يكون عتاب المتصافين حيلةً تسبر المودة بها ، وتستثار دفائن الأخوة عنها ، كما يعرض الذهب على اللهب ، ويصفى المدام بالفدام ، وقد يخلص الود على العتب خلوص الذهب على السبك ، فأما إذا أعيد وأبدي وردد وتوالي فإنه يفسد غرس الإخاء ، كما يفسد الزرع توالي الماء .
؟ أبو الوليد بن طريف
من جواب عن المعتمد إلى ذي الوزارتين ابن يحفور صاحب شاطبة بسبب أبي بكر بن عمار : وقفت على الإشارة الموضوعة من قبلك على إخلاص دلّ على وجوه السلامة ، المستنام فيها إلى شرف محتدك وصفاء معتقدك أكرم استنامة ؛ بالشفاعة فيمن أساء لنفسه حظ الاختيار ، وسبب لها سبب النكبة والعثار ؛ بغمطه لعظيم النعمة ؛ وقطعه لعلائق العصمة ؛ وتخبطه في سنن غيه واستهدافه ، وتجاوزه في ارتكاب الجرائم وإسرافه ؛ حتى لم يدع للصلح موضعاً ، وخرق ستر الإبقاء بينه وبين مولى النعمة عنده فلم يترك فيه مرقعاً ؛ وقد كان قبل استشراء رأيه ، وكشفه لصفحة المعاندة ، وإبدائه غدره في جميع جناياته مقبولاً ، وجانب الصفح له معرضاً مبذولاً ؛ لكن عدته جوانب الغواية ، عن طرق الهداية ؛ فاستمر على ضلاله ، وزاغ عن سنن اعتداله ؛ وأظهر المناقضة ، وتعرض بزعمه إلى المساورة والمعارضة ؛ فلم يزل يريغ الغوائل ، وينصب الحبائل ؛ ويركب في العناد أصعب المراكب ، ويذهب منه في أوعر المذاهب ؛ حتى علقته تلك الأشراك التي نصبها ، وتشبثت به مساوي المقدمات التي جرها وسببها ؛ فذاق وبال فعله " ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله " ولم يحصل في الأنشوطة التي تورطها ، والمحنة التي اشتملت عليه وتوسطها ؛ إلا ووجه العفو له قد أظلم ، وباب الشفاعة فيه قد أبهم ؛ ومن تأمل أفعاله الذميمة ، ومذاهبه اللئيمة ؛ رأى أن الصفح عنه بعيد ، والإبقاء عليه داءٌ حاضرٌ عتيد .

الصفحة 229