كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
ومما جوزوا الاستشهاد به ما لا يقصد به إلا التلويح إلى الآية دون اطراد الكلام نحو قول القاضي مما كتب به إلى الخليفة عن الملك الناصر صلاح الدين في الاستصراخ " وتهويل أمر الفرنج " : " ورب إني لا أملك إلا نفسي " وها هي في سبيلك مبذوله ، وأخي وقد هاجر إليك هجرة يرجوها مقبوله ، وأما تغيير شئ من اللفظ أو إحالة معنى عما أريد به فلا يجوز وينبغي العدل عنه ما أمكن .
ويتلو ذلك الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية - صلوات الله وسلامه على قائلها - وخصوصاً في السير والمغازي والأحكام والنظر في معانيها وغريبها وفصاحتها وفقه ما بد من معرفته من أحاكمها ، ليحتج بها في مكان الحجة ، ويستدل بموضع الدليل ، فإن الدليل على المقصد إذا استند إلى النص سلم له ، والفصاحة إذا طلبت غايتها فإنها بعد كتاب الله في كلام من أوتي جوامع الكلم ، وينبغي أن يراعى في الحل لفظ الحديث ما أمكن وإلا فمعناه .
ويتلو ذلك قراءة ما يتفق من كتب النحو التي يحصل بها المقصود من معرفته العربية ، فإنه لو أتى الكاتب من البلاغة بأتم ما يكون ولحن ذهبت محاسن ما أتى به وانهدمت طبقة كلامه ، وألغي جميع " ما حسنه " ووقف به عند ما جهله .
ويتعلق بذلك " قراءة " ما يتهيأ من مختصرات اللغة ، كالفصيح وكفاية المتحفظ وغير ذلك من كتب الألفاظ ليتسع عليه مجال العبارة ، وينفتح له باب الأوصاف فيما يحتاج إلى وصفه ، ويضطر إلى نعته .
ويتصل بذلك حفظ خطب البلغاء من الصحابة وغيرهم ومخاطباتهم ومحاوراتهم ومراجعاتهم ومكاتباتهم ، وما ادعاه كل منهم لنفسه أو لقوله وما نقصه عليه خصمه ، لما في ذلك من معرفة الوقائع بنظائرها ، وتلفي الحوادث بما شاكلها والإقتداء بطريقة من فلج على خصمه ، واقتفاء آثار من اضطر إلى عذر ، أو إبطال دعوى أو إثباتها ، والأجوبة الدامغة فتأمله في موضعه فإنك ستقف منه على ما استغنى به عن ذلك .