كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
ثم النظر في أيام العرب ووقائعهم وحروبهم وتسمية الأيام التي كانت بينهم ، ومعرفة يوم كل قبيلة على الأخرى ، وما جرى بينهم في ذلك من الأشعار والمنافسات ، لما في ذلك من العلم بما يستشهد به من واقعة قديمة ، أو يرد عليه في مكاتبة من ذكر يوم مشهور ، أو فارساً معيناً ، وستذكر من ذلك إن شاء الله تعالى في فن التاريخ على ما ستقف عليه ، فإن صاحب هذه الصناعة إذا لم يكن عارفاً بأيام العرب عالماً بما جرى فيها لم يدر كيف يجيب عملا يرد عليه من مثلها ولا يقول إذا سئل عنها ، وحسبه ذلك نقصاً في صناعته وقصوراً .
ثم النظر في التواريخ ومعرفة أخبار الدول ، لما في ذلك من الإطلاع على سير الملوك وسياساتهم ، وذكر وقائعهم ومكايدهم في حروبهم ، وما اتفق لهم من التجارب ، فإن الكاتب قد يضطر إلى السؤال عن أحوال من سلف ، أو يرد عليه في كتاب ذكر واقعة بعينها ، أو يحتج عليه بصورة قديمة فلا يعرف حقيقتها من مجازها ، وقد أوردنا في فن التاريخ ما لا يحتاج الكاتب معه إلى غيره من هذا الفن .
ثم حفظ أشعار العرب ومطالعة شروحها ، واستكشاف غوامضها والتوفر على ما اختاره العلماء بها منها ، كالحماسة ، والمفضليات ، والأصمعيات وديوان الهذليين ، وما أشبه ذلك ، لما في ذلك من غزارة المواد ، وصحة الاستشهاد ، الإطلاع على أصول اللغة ، ونوادر العربية ، وقد كان الصدر الأول يعتنون بذلك غاية الاعتناء ، وقد حكي أن الإمام الشافعي رحمه الله كان يحفظ ديوان هذيل ؛ فإن أكثر المترشح للكتابة من حفظ ذلك وتدبر معانيه سها عليه حلة ، وظهرت له مواضع الاستشهاد به ، وساقه الكلام إلى إبراز ما في ذخيرة حفظه منه ، ووضعه في مكانه ونقله في الاستشهاد والتضمين إلى ما كأنه وضع له ، كما اتفق للقاضي أبي بكر الأرجاني في تضمين أنصاف أبيات العرب في

الصفحة 29