كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
وأما الحقيقة والمجاز - فالحقيقة في اللغة فعيلة بمعنى مفعولة ، من حق الأمر يحقه بمعنى أثبته ، أو من حققته إذا كنت منه على يقين ، والمجاز من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه ، فإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصف بأنه مجاز على أنهم قد جازوا به موضعه الأصلي ، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أولاً ، لأنه ليس بموضع أصلي لهذا اللفظ ولكنه مجازه ومتعداه يقع فيه كالواقف بمكان غيره ثم يتعداه " إلى " مكانه الأصلي . ولهما حدود في المفرد والجملة ، فحدها في المفرد ، أن كل كلمة أريد بها ما وضعت له فهي حقيقة ، كالأسد للحيوان المفترس ، واليد للجارحة ونحو ذلك ، وأن أريد بها غيره لمناسبة بينهما فهي مجاز ، كالأسد للرجل الشجاع واليد للنعمة أو للقوة ، فإن النعمة تعطى باليد ، والقوة تظهر بكمالها في اليد وحدهما في الجملة ، أن كل جملة كان الحكم الذي دلت عليه كما هو في العقل فهي حقيقة كقولنا : خلق الله الخلق ؛ وكل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه في العقل بضرب من التأويل فهي مجاز ، كما إذا أضيف الفعل إلى شئ يضاهي الفاعل ، كالمفعول به في قوله عز وجل : " في عيشة راضية " و " من ماء دافق " أو المصدر ، كقولهم : شعر شاعر ؛ أو الزمان ، كقول النعمان بن بشير لمعاوية :
وليلك عما ناب قومك نائم أو المكان كقولك : طريق سائر ، أو المسيب ، كقولهم : بني الأمير المدينة ؛ أو السبب ، كقوله تعالى : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً " فمجاز المفرد لغوي ويسمى مجاز في المثبت ومجاز في الإثبات .
قال : فالمجاز قد يكون في الإثبات وحده ، وهو أن يضيف الفعل إلى غير الفاعل الحقيقي كما ذكرناه وقد يكون في المثبت وحده ، كقوله تعالى : " فأحيينا به الأرض بعد موتها " جعل خضرة الأرض ونضرتها حياة ، وقد يكون فيهما جميعاً ، كقولك : أحيتني رؤيتك ، تريد سرتني ، فقد جعلت المسرة حياة وهو مجاز في المثبت وأسندتها إلى الرؤية وهو مجاز في الإثبات .
قال : واعلم أنهم تعرضوا في اعتبار كون اللفظ مجازاً إلى اعتبار شيئين :