كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 35 """"""
كقول فاطمة بنت الخرشب الأنمارية حين وصفت بينها الكملة فقالت : هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين أطرفاها .
وأما تشبيه المعقول بالمعقول فهو كتشبيه الوجود العاري عن الفوائد بالعدم ، وتشبيه الفوائد التي تبقى بعد عدم الشيء بالوجود كقول الشاعر :
رب حي كميت ليس فيه . . . أمل يرتجى لنفع وضر
وعظام تحت التراب وفوق الأرض منها آثار حمد وشكر
وأما تشبيه المعقول بالمحسوس فهو كقوله تعالى : " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصفٍ " وأما تشبيه المحسوس بالمعقول فهو غير جائز ، لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها ، ولذلك قيل : من فقد حساً فقد علما ، فإذا كان المحسوس أصلاً للمعقول فتشبيه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعاً ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس بالظهور والمسك بالثناء فقال : الشمس كالحجة في الظهور ، والمسك كالثناء في الطيب ، كان ذلك سخفاً من القول .
فأما ما جاء في الشعر من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدر المعقول محسوساً ، ويجعل كالأصل المحسوس على طريق المبالغة ، فيصح التشبيه حينئذ كما قال الشاعر :
وكأن النجوم بين دجاها . . . سنن لاح بينهن ابتداع
فإنه لما شاع وصف السنة بالبياض والإشراق ، واشتهرت البدعة وكل ما ليس بحق بالظلمة تخيل الشاعر أن السنن كأنها من الأجناس التي لها إشراق ونور ، وأن البدع نوع من الأنواع التي لها اختصاص بالسواد والظلمة ، فصار ذلك كتشبيه محسوس بمحسوس ، فجاز له التشبيه ، وهو لا يتم إلا بتخيل ما ليس بمتلون " متلوناً "

الصفحة 35