كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
ثم يتخيله أصلاً فيشبه به ، وهذا هو الذي تؤول في قول أبي طالب الرقي : ولقد ذكرتك والظلام كأنه . . . يوم النوى وفؤاد من لم يعشق
فإنه لما كانت الأوقات التي تحدث فيها المكاره توصف بالسواد كما يقال : اسودت الدنيا في عينه ، جعل يوم النوى كأنه أشهر بالسواد من الظلام ، فعرفه به وشبهه ، ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق لأن من لم يعشق عندهم قاسي القلب والقلب القاسي يوصف بشدة السواد ، فأقامه أصلاً ، فقس على هذا المثال . قال : واعلم أن ما به المشابهة قد يكون مقيداً بالانتساب إلى شئ ، وذلك إما إلى المفعول به كقولهم : " أحذ القوس باريها " وإلى ما يجري مجرى المفعول به وهو الجار والمجرور كقولهم لمن يفعل ما لا يفيد : كالراقم على الماء وإما إلى الحال ، كقولهم : " كالحادي وليس له بعير " وإما إلى المفعول والجار والمجرور معاً ، كقولهم : هو كمن يجمع السيفين في غمد وكمبتغي الصيد في عرينة الأسد " ومن ذلك قوله تعالى : " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً " فإن التشبيه لم يحصل من مجرد الحمل بل لأمرين آخرين ، لأن الغرض توجيه الذم إلى من أتعب نفسه في حمل ما يتضمن المنافع العظيمة ثم لا ينتفع به لجهله ، وكقول لبيد :
وما الناس إلا كالديار وأهلها . . . بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
فإنه لم يشبهه الناس بالديار ، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم بحلول أهل الديار فيها ، ووشك رحيلهم منها ، قال : وكلما كانت التقييدات أكثر كان التشبيه أوغل في كونه عقلياً كقوله تعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس " فإن التشبيه متنزع من مجموع هذه الجمل من غير أن يمكن فصل