كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
وإذا قدمت صيغة العموم على السلب وقلت : كل ذا لم أفعله ، برفع كل من كان نفياً عاماً ، ويناقضه الإثبات الخاص ، فلو فعلت بعضه كنت كاذباً .
وإن قدمت السلب وقلت : لم أفعل كل ذا كان نفياً للعموم ولا ينافى الإثبات الخاص ، فلو فعلت بعضه لم تكن كاذباً ، ومن هذا ظهر الفرق بين رفع كل ونصبه في قول أبي النجم :
قد أصبحت أم الخيار تدعى . . . علي ذنباً كله لم أصنع
فإن رفعته كان النفي عاماً ، واستقام غرض الشاعر في تبرئة نفسه من جملة الذنوب ، وإن نصبته كان النفي نفياً للعموم ، وهو لا ينافى إتيان بعض الذنب فلا يتم غرضه .
الثالث في التقديم والتأخير في الخبر المثبت - ما تقدم في الاستفهام والنفي قائم هنا ، فإذا قدمت الاسم وقلت : زيد فعل وأنا فعلت فالقصد إلى الفاعل إما لتخصيص ذلك الفعل به ، كقولك : أنا شفعت في شأنه مدعياً الانفراد بذلك أو لتأكيد إثبات الفعل له لا للحصر ، كقولك : هو يعطي الجزيل لتمكن في نفس السامع أن ذلك دأبه دون نفيه عن غيره ، ومنه قوله تعالى : " واتخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون " فإنه ليس المراد تخصيص المخلوقية بهم ، وقوله تعالى : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " وكقول درني بنت عبعبة :
هما يلبسان المجد أحسن لبسة . . . شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما
وقول الآخر :
هموا يفرشون اللبد كل طمرةٍ . . . وأجرد سباخ يبذ المغالبا
قال : والسبب في هذا التأكيد أنك إذا قلت مثلاً : زيد فقد أشعرت بأنك تريد الحديث عنه فيحصل للسامع تشوق إلى معرفته ، فإذا ذكرته قبلته النفس " قبول العاشق