كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
معشوقه " فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفي الشك والشبهة ، ولهذا تقول لمن تعده : أنا أعطيك أنا أكفيك ، أنا أقوم بهذا الأمر ، وذلك إذا كان من شأن من يسبق له وعد أن يعترضه الشك في وفائه ، ولذلك يقال في المدح : أنت تعطي الجزيل ، أنت تجود حين لا يجود أحد ، ومن ها هنا تعرف الفخامة في الجمل التي فيها ضمير الشأن والقصة كقوله تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وقوله تعالى : " إنه لا يفلح الكافرون " وأن فيها ما ليس في قولك : فإن الأبصار لا تعمى وإن الكافرين لا يفلحون ، وهكذا في الخبر المنفي ، فإذا قلت : أنت لا تحسن هذا ، كان أبلغ من قولك لا تحسن هذا ، فالأول لمن هو أشد إعجاباً بنفسه وأكثر دعوى بأنه يحسن .
قال : واعلم أنه قد يكون تقديم الاسم كاللازم نحو قوله :
يا عاذلي دعني من عذلكا . . . مثلي لا يقبل من مثلكا
وقول المتنبي :
مثلك يثني الحزن عن صوبه . . . ويسترد الدمع عن غربه
وقول الناس : مثلك يرعى الحق والحرمة ، وما أشبه مما لا يقصد فيه إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه وجئ به للمبالغة ، وقد عبر المتنبي عن هذا المعنى فقال :
ولم أقل مثلك أعني به . . . سواك يا فرداً بلا مشبه
وكذلك حكم " غير " إذا سلك فيه هذا المسلك كقول المتنبي :
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع . . . إن قاتلوا جبنوا أو حدثوا شجعوا
أي لست ممن ينخدع ويغتر ولو لم يقدم مثلاً وغيراً في هذه الصور لم يؤد هذا المعنى .
قال : ويقرب من هذا المعنى تقديم بعض المفعولات على بعض في نحو قوله تعالى : " وجعلوا لله شركاء الجن " فإن تقديم شركاء على الجن أفاد أنه ما ينبغي لله شركاء لا من الجن ولا غيرهم لأن شركاء مفعول ثان لجعلوا ،