كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 6 """"""
ولنبدأ بذكر كتابة الإنشاء وما يتعلق بها .
ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه من البلاغة والإيجاز والجمع في المعنى الواحد بين الحقيقة والمجاز ، والتلعب بالألفاظ والمعاني والتوصل إلى بلوغ الأغراض والأماني
.
ولنبدأ من ذلك بوصف البلاغة وحدها والفصاحة : فأما البلاغة - فهي أن يبلغ الرجل بعبارته كنه ما في نفسه ، ولا يسمى البليغ بليغاً إلا إذا جمع المعنى الكثير في الفظ القليل ، وهو المسمى إيجازاً .
وينقسم الإيجاز إلى قسمين : إيجاز حذف ، وهو أن يحذف شئ من الكلام وتدل عليه القرينة ، كقوله تعالى : " وأسأل القرية التي كنا فيها " والمراد أهل القرية وكقوله تعالى : " ولكن البر من اتقى " والمراد ولكن البر من اتقى ، وكقوله تعالى : " واختار موسى قومه سبعين رجلاً " والمراد من قومه وقوله تعالى : " وعلى الذين يطيقونه " والمراد لا يطيقونه " ونظائرهم هذا وأشباهه كثير .
وإيجاز قصر هو تكثير المعنى وتقليل الألفاظ ، كقوله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) مما جمع فيه شرائط الرسالة : " فاصدع بما تؤمر " وسمع أعرابي رجلاً يتلوها فسجد وقال : سجدت لفصاحته ، ذكره أبو عبيد ، وقوله تعالى مما جمع فيه مكارم الأخلاق : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " وقوله تعالى : " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي وآتوني مسلمين " فجمع في ثلاث كلمات بين العنوان والكتاب والحاجة وقوله تعالى : " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجوده وهم لا يشعرون " فجمع في هذا على لسان النملة بين النداء والتنبيه والأمر والنهي والتحذير والتخصيص والعموم والإشارة والإعذار ؛ ونظير ذلك ما حكي عن الأصمعي أنه سمع جارية تتكلم فقال لها : قاتلك الله ، ما أفصحك ،

الصفحة 6