كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
الأول : أن يكون المراد بيان حال الفاعل وأن ذلك الحال دأبه لا بيان المفعول كقول طفيل :
جزى الله عنا جعفراً حين أزلفت . . . بنا نعلنا في الواطئين فزلت
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا . . . تلاقى الذي لاقوه منا لملت
هم خلطونا بالنفوس وألجئوا . . . إلى حجرات أدفأت وأظلت
والأصل أن تقول : لملتنا وألجؤونا وأدفأتنا وأظلتنا فحذف المفعول المعين من هذه المواضع الأربعة وكأنه قد أبهم ولم يقصد قصد شئ يقع عليه ، كما تقول : قد مل فلان ، تريد قد دخل عليه الملال من غير أن تخص شيئاً بل لا تزيد على أن تجعل الملال من صفته ، فلذلك الشاعر جعل هذه الأوصاف من دأبهم ، ولو أضاف إلى مفعول معين لبطل هذا الغرض ، وعليه قوله تعالى : " ولما ورد ماء مدين " إلى قوله تعالى : " فسقى لهما " فقد حذف المفعول في أربعة مواضع ، فإن ذكره ربما يخل بالمقصود فلو قال تعالى مثلاً : تذودان غنمهما لتوهم أن الإنكار إنما جاء من ذودهما الغنم لا من مطلق الذود ، كقولك : مالك تمنع أخاك ؟ فإن الإنكار من منع الأخ لا من مطلق المنع .
الثاني : أن يكون المقصود ذكره إلا أنك لا تذكره إيهاماً بأنك لا تقصد ذكره كقول البحتري :
شجو حساده وغيظ عداه . . . أن يرى مبصر ويسمع واع
المعنى أن يرى مبصر محاسنه أو يسمع واعٍ أخباره ، ولكنه تغافل عن ذلك إيذاناً بأن فضائله يكفي فيها أن يقع عليها بصر أو يعيها سمع حتى يعلم أنه المتفرد بالفضائل ، فليس لحساده وعداه أشجى من علم بأن هنا مبصراً وسامعاً .
الثالث : أن يحذف لكونه بيناً ، كقولهم : أصيغت إليك أي أذني ، وأغضيت عليك ، أي جفنى .