كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 71 """"""
ويصح إنما زيد قاعد لا قائم لأن صيغة وضعها تدل على المخصوص الحكم بالمذكور ، وأما نفي الشركة فهو لازم من لوازمها ، فليس له من القوة لما يدل عليه بوضعه ولهذا يصح : هو الجاني لا عمرو ، فثبت أن دلالة الأوليين على التخصيص أقوى ، ودلالة الثالثة على نفي التشريك " أقوى " لكن الثالثة قد تقام مقام الأوليين في إفادة التخصيص ، كما إذا ادعى واحد أنك قلت قولاً ثم قلت بخلافه ، فقلت له : ما قلت الآن إلا ما قلته قبل ، وعليه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " ليس المعنى أنى لم أزد على أمرتني به شيئاً ، ولكن المعنى أني لم أدع مما أمرتني به " أن " أقوله شيئاً .
قال : وحكم " غير " حكم " إلا " فإذا قلت : ما جاءني غير زيد احتمل أن يكون المراد نفي أن يكون جاء معه إنسان آخر ، وأن يكون المراد تخصيص الحكم بالمذكور لا نفيه عما عداه .
فصل
إذا دخل ما وإلا على الجملة المشتملة على المنصوب كان المقصود بالذكر ما اتصل بإلا متأخراً عنها ، فإذا قلت : ما ضرب عمراً إلا زيداً فالمقصود المرفوع ، وإذا قلت : ما ضرب زيداً إلا عمراً ، فالمقصود المنصوب ، وإذا قلت ما ضرب " إلا " زيد عمراً ، فالاختصاص للضارب ، وإذا قلت إلا زيداً عمرو ، فالاختصاص للمضروب ، فإذا قلت : لم أكس إلا زيداً جبةً ، فالمعنى تخصيص زيد من بين الناس بكسوة الجبة ، وإن قلت : لم أكس إلا جبة زيداً ، فالمعنى تختص كسوة لجبة من بين الناس بزيد وكذلك الحكم حيث يكون بدل أحد المفعولين جار ومجرور ، كقول السيد الحميري :
لو خير المنبر فرسانه . . . ما اختار إلا منكم فارسا
وكذلك حكم المبتدأ والخبر والفعل والفاعل ، كقولك : ما زيد إلا قائم ، وما قام إلا زيد .
وأما إنما فالاختصاص فيها يقع مع المتأخر فإذا قلت ، إنما ضرب زيداً عمرو فالاختصاص في الضارب ، وقوله تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " فالغرض بيان المرفوع وهو أن الخاشين هم العلماء ، ولو قدم المرفوع لصار المقصود بيان المخشي منه ، والأول أتم ، ومنه قول الفرزدق .

الصفحة 71