كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 73 """"""
ربهم بالغيب " والتقدير إن من لم تكن له من هذه الخشية ، فهو كمن لم تكن له أذن تسمع وقلب يعقل ، فالإنذار معه كلا إنذار ، وهذا الغرض لا يحصل دون " إنما " لأن من شأنها تضمين الكلام معنى النفي بعد الإثبات فإذا أسقطت لم يبق إلا إثبات الحكم للمذكورين ، فلا يدل على نفيه " عن " غيرهم إلا أن يذكر في معرض مدح الإنسان بالتيقظ والكرم وأمثالهما كما يقال : كذلك يفعل العاقل ، هكذا يفعل الكريم .
تنبيه - قال : كاد تقرب الفعل من الوقوع ، فنفيها ينفي القرب ، فإن لم يكن في الكلام دليل على الوقوع فيقيد نفي الوقوع ونفي القرب منه ، كقوله تعالى : " لم يكد يراها " " أي لم يرها " ولم يقارب رؤيتها ، وكقول ذي الرمة : المعنى أن براح حبها لم يقارب الكون فضلاً عن أن يكون وأما النظم - فهو عبارة عن توخي معاني النحو في ما بين الكم وذلك أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو بأن تنظر في كل باب إلى قوانينه والفروق التي بين معاني اختلاف صيغته وتضع الحروف مواضعها وتراعي شرائط التقديم والتأخير ، ومواضع حروف العطف على اختلاف معانيها ، وتعتبر الإصابة في طريق التشبيه والتمثيل .
وقد أطبق العلماء على تعظيم شأن النظم ، وأن لا فضل مع عدمه ولو بلغ الكلام في غرابة معناه إلى ما بلغ ، وأن سبب فساده " ترك العمل بقوانين النحو واستعمال الشيء في غير موضعه .
ثم قال : الجمل الكثيرة إذا نظمت نظماً واحداً فهي على قسمين : الأول : أن لا يتعلق البعض بالبعض ولا يحتاج واضعه إلى فكر وروية في استخراجه ، بل هو كمن عمد إلى اللآلئ ينظمها في سلك ومثاله قول الجاحظ في مصنفاته : جنبك الله الشبهة ، وعصمك من الحيرة ، وجعل بينك وبين المعروف نسباً ،

الصفحة 73