كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
وبين الصدق سبباً ، وحبب إليك التثبت وزين في عينيك الإنصاف وأذاقك حلاوة التقوى ، وأشعر قبلك عز الحق ، وأودع صدرك برد اليقين وطرد عنك ذل الطمع وعرفك ما في الباطل من الذلة ، وما في الجهال من القلة وكقول النابغة للنعمان وتفضيله إياه على ذي فائش يزيد بن أبي جفنة ، وكقول حسان ابن ثابت للحارث الجفني يفضله على النعمان بن المنذر ، وكقول ضرار بن ضمرة لمعاوية بن علية ، ؛ وقد تقد شرح أقوالهم في الباب الأول من القسم الثالث من هذا الفن في المدح ، وهو في السفر الثالث فلا حاجة بنا إلى إعادته وهذا النظم لا يستحق الفضل إلا بسلامة معناه وسلامة ألفاظه ، إذ ليس فيه معنى دقيق لا يدرك إلا بثاقب الفكر .
قال : ربما ظن بالكلام أنه من هذا الجنس ولا يكون منهم كقول الشاعر سالت عليك شعاب الحي حين دعا . . . أنصاره بوجوه الدنانير
فإن الحسن فيه ليس مجرد الاستعارة بل لما في الكلام من التقديم والتأخير ، ولهذا لو أزلت ذلك وقلت : سال شعاب الحي بوجوه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره فإنه يذهب بالحسن والحلاوة .
الثاني : أن تكون الجمل المذكورة يتلق بعضها ببعض وهناك تظهر قوة الطبع ، وجودة القريحة واستقامة الذهن .
ثم " ليس " لهذا الباب قانون يحفظ ، فإنه يجئ على وجوه شتى .
منها الإيجاز ، وهو العبارة عن العرض بأقل ما يمكن من الحروف ، وهو على ضربين : إيجاز قصر ، وإيجاز حذف ، وقد تقدم الكلام على ذلك وذكر أمثلته عند ذكر الفصاحة .
ومنها التأكيد - وهو تقوية المعنى وتقريره ، إما بإظهار البرهان ، كقول قابوس :
يا ذا الذي بصروف الدهر عيرنا . . . هل عاند الدهر إلا من له خطر