كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 7)

"""""" صفحة رقم 8 """"""
وقال آخر : خير البيان ما كان مصرحاً عن المعنى ليسرع إلى الفهم تلقيه وموجزاً ليخف على اللسان تعاهده .
وقال أعرابي : البلاغة التقرب من معنى البغية ، والتبعد من وحشي الكلام وقرب المأخذ ، وإيجاز في صواب ، وقصد إلى الحجة ، وحسن الاستعارة ، قال علي رضي الله عنه : البلاغة لإفصاح عن حكمه مستغفلة وإبانة علم مشكل .
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما : البلاغة إيضاح الملتبسات وكشف عورات الجهالات ، بأحسن ما يمكن من العبارات .
وأما الفصاحة - فهي مأخوذة من قولهم : أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة . وقالوا : لا يسمى الفصيح فصيحاً حتى تخلص لغته عن اللكنة الأعجمية ولا توجد الفصاحة إلا في العرب . وعلماء العرب يزعمون أن الفصاحة في الألفاظ والبلاغة في المعاني ويستدلون بقولهم : لفظ فصيح ومعنى بليغ .
ومن الناس من استعمل الفصاحة والبلاغة بمعنى واحد في الألفاظ والمعاني والأكثرون عليه .
ذكر صفة البلاغة
قيل لعمر بن عبيد : ما البلاغة ؟ قال : ما بلغك الجنة ، وعدل بك عن النار ؛ قال السائل : ليس هذا أريد ؛ قال : فما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك ؛ قال : ليس هذا أريد ؛ قال : من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع ومن لم يحسن أن يسمع لم يحسن أن يسأل ، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول ؛ قال : ليس هذا أريد ؛ قال : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " أنا معشر النبين بكاء " - أي قليلوا الكلام ، وهو جمع بكئ - وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله قال السائل : ليس هذا ما أريد ؛ قال : فكأنك تريد تخير اللفظ في حسن إفهام ؛ قال : نعم ، قال : إنك أن أردت تقرير حجة الله في عقول المتكلمين ، تخفيف المؤونة على المستمعين ، وتزيين المعاني في قلوب المستفهمين بالألفاظ الحسنة رغبة في سرعة استجابتهم ، ونفي الشواغل عن قلوبهم بالمواعظ الناطقة عن الكتاب والسنة كنت قد أوتيت فصل الخطاب .

الصفحة 8