كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

التفسير
55 - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. . . . .} الآية.
قال أبو العالية في سبب نزول هذه الآية الكريمة: مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين (¬1) بعد ما أوحى الله إِليه خائفًا هو وأَصحابه يدعون إلى الله سرًّا وجهرا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحْتَبِيًا ليس عليه حديدة" ونزلت الآية، وأَظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنُوا. اهـ
وقال الضحاك ما خلاصته: أَن هذه الآية تتضمن صحة خلافة أَبي بكر وعمر وعثمان وعلي فهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقد استخلفهم الله على الأرض التي وَلاَّهم الله عليها، وإلى هذا الرأى ذهب ابن العربي، وحكى في أحكامه أن علماء المالكية يرون أن هذه الآية دليل على صحة خلافتهم، فهم الذين استخلفهم الله ورضى أَمانتهم، ولم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا، فاستقر الأَمر لهم، وقاموا بسياسة المسلمين، وذبُّوا عن حوزة الدين فنفذ الوعد فيهم.
وحكى القشيرى هذا القول عن ابن عباس، واحتجوا بما رواه سَفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
¬__________
(¬1) التقييد بعشر سنين راجع إلى مدة إيذائهم للنبي وأصحابه بعد الجهر بالدعوة، أما مدة الدعوة إلى الإسلام بمكة فقد كانت ثلاث عشرة سنة، وكانت الدعوة في السنوات الثلاث الأولى في الخفاء، فلما جهر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاب آلهتهم التي عبدها آباؤهم، أخذتهم حمية الجاهلية، فآذوه وأصحابه عشر سنين تباعا، وحملوهم على الهجرة.

الصفحة 1456