كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

"الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا".
وقالت طائفة من العلماء: هذا وعد لجميع المسلمين بأن تكون الأرض كلها تحت لواءِ الإسلام، وهم مستخلفون عليها، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِن الله زَوَى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها" من حديث رواه الإمام أحمد بسنده عن شداد بن أَوس.
واختار ابن عطية هذا القول، وقال: الصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واستخلافهم هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كالذى جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب (¬1).
ونحن نقول: سواءٌ أَكان المراد من الآية الخلفاء الأربعة، أَو جماعة الأمة الإسلامية فقد حقق الله وعده هذا وذاك , وقد ارتفع لواءُ الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، ولا توجد اليوم أمة في الأرض إلا والإسلام إما غالب فيها، أوْ له كيان بين أرجائها، أَو مكان ممتاز بين أَديانها، بفضل سلامة مبادئه، ووضوح آياته، وجهاد قادته وثقافة دعاته. وما زلنا ننتظر المزيد من فضل الله رب العالمين.
وكما حقق الله بذلك وعده، حقق به وعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه". أَخرجه الأمام مسلم في صحيحه، وكلاهما من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - لأنه إِخبار عما سيكون فكان، مع أَنه فوق مستوى الظنون، ودون تحقيقه ما هو إلا المستحيل أَقرب، ولكن الله على كل شيءٍ قدير.
وقد وعدهم الله أَن يستخلفهم {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}:
والمراد من الذين قبلهم: بنو إسرئيل، فقد استخلفهم على أرض الجبارين في بلاد الشام، وهي الأرض المقدسة التي دعاهم موسى - عليه السلام - إلى دخولها بقوله لهم:
¬__________
(¬1) ارجع إلى القرطبي.

الصفحة 1457