كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} أي: أَنه تعالى كما وعد المؤمنين الصالحين باستخلافهم في الأرض وعدهم أَيضًا بأن يمكن ويثبت لهم دينهم الإسلام الذي ارتضاه لهم، وأَن يمنحهم الأمن والطمأْنينة، بدلا من الخوف الذي كان يقض مضاجعهم من أَعدائهم (¬1).
وعقب الله هذا الوعد ببيان مقتضيه فقال: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}: أَي أَنه تعالى إِنما يستخلفهم ويمكن لهم دينهم، لأنهم يعبدونه وحده لا يشركون به في العبادة سواه، وأتبع هذا بتحذيرهم من الكفر فقال سبحانه:
{وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}:
والمراد من الكفر هنا إما الردة، وإما كفران نعمة الاستخلاف والتمكين، فإن أريد منه الردة فالمراد بالفسق بلوغ الغاية فيه، حيث ارتدوا بعد إِيمان، وإن أُريد منه كفران النعمة، فالمراد منه مطلق الخروج عن الطاعه مع بقاء الإيمان.
والمعنى الإِجمالي للآية: وعد الله الذين آمنوا بالله ورسوله، وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه - مع قلتهم وكثرة أعدائهم - وعدهم -، أن يجعلهم خلفاءَ على أرضه في مشارقها ومغاربها، يَلُون أمرها وتدين لطاعتهم، وينشرون في أَرجائها دينه، ويبينون للناس آياته وبراهينه.
وهذا الاستخلاف لهم قد سبقه مثله لبنى إسرائيل قبلهم في أرض فلسطين، بعد أن استقامت أمورهم، وعادوا إلى ربهم، وقبل أَن يفسدوا في الأرض.
كما وعدهم أَن يثبت لهم دينهم الإسلام بين سائر الملل والنحل فيحميه من أَهلها، وأَن يعوضهم بدلا بن الخوف الذي يعيشون فيه أَمنًا من الأعداء، بما يمنحهم من القوة
¬__________
(¬1) وفي هذا يقول - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم حين وفد عليه: "أتعرف الحيرة"؟ قال: لم أعرفها ولكن قد سمعت بها، قال: "فوالذى نفسى بيدى ليثبتن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز" قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "نعم كسرى بن هرمز .. " من حديث أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام.

الصفحة 1459