كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

في أية حالة من هذه الحالات، فيؤمر الخدم والأطفال أَلا يهجموا على أهل البيت فيها، بل يستأْذنوا تأدبًا وتصونًا، وحفاظًا على عورات الناس أَن تكشف، ولقد أَطلق الله على هذه الأوقات عورات لذلك روى ابن أَبي حاتم بسنده (عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أَمر الله بها في القرآن، فقال ابن عباس:
إن الله ستِّير يحب الستر، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حِجَالٌ (¬1) في بيوتهم، فربما فاجأ الرجلَ خادمه أَو ولده أو يتيمه في حجره أَي في كفالته وهو على أهله، فأمرهم أَن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ثم جاء الله بعد بالستور، فبسط عليهم الرزق، فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال. فرأى الناس أَن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أُمروا به) قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إِلى ابن عباس.
وحكى المهدوى عن ابن عباس أن الاستئذان كان واجبًا إِذ كانوا لا غَلَق لهم ولا أبواب. ولو عاد الحال لعاد الوجوب - ذكره القرطبى في المسألة الثانية وعقبه برأى آخر يفيد أن الآية محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساءِ، وذكر أنه قول أَكثر أَهل العلم. اهـ
وبه نقول، فإن الآية الكريمة أَطلقت الأمر بالاستئذان، سواءٌ وجدت الأَبواب والستور أو لم توجد، فلا يحل اقتحام الأَبواب والستور دون استئذان في تلك الأَوقات، لوجود مقتضى المنع وهو احتمال انكشاف العورات فيها، روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث غلاما من الأنصار يقال له مُدْلِج إِلى عمر بن الخطاب ظهيرةً ليدعوه، فوجده نائمًا قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب فناداه ودخل، فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شىءٌ، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءَنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإِذن، ثم انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الآية قد أنزلت، فخر ساجدًا شكرًا لله.
فأَنت ترى أَن الغلام دق الباب ونادى عمر ودخل قبل أَن يستيقظ عمر ويأْذن له، فانكشف منه للغلام ما لا يحب أَن ينكشف لأَحد، فلهذا نرى أَن الحكم ثابت مع وجود
¬__________
(¬1) الحجال: جمع حجلة، وهي بيت كالقبة يستر بالثياب وله أزرار كبار.

الصفحة 1463