كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

والمعنى: ليس أمر قريش قاصرا على شركهم؛ وتكذيبك يا محمد فيما دعوتهم إليه من التوحيد وسائر أنواع الهدى، بل كذبوا بالساعة وهي: الموعد الذي ضربه الله لبعث الخلائق وحسابها, وقالوا {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (¬1) فاهتموا بدنياهم وأعرضوا عن أخراهم، فلا تعجب من تكذيبهم إياك فيما جئتهم به من الحق وقد أعددنا كل من كذب بالساعة والحساب والجزاء فيها - أَعددنا لهم - نارا شديدة الاتقاد، عظيمة الإِحراق {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}. {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (¬2).
12 - {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}:
تحكى هذه الآية وصف السعير الذي توعدهم الله به في الآية السابقة، والتأنيث في "رأَتهم" لمراعاة المراد من السعير وهو النار، وقيل: لأَنه علم لها. وإسناد الرؤية والتغيظ والزفير إِليها على المجاز، وقيل: إِنه على الحقيقة، كما يؤذن به ظاهر اللفظ , لأَن الله قادر على أن يجعل لها بصرا وإدراكًا , بحيث ترى وتتغيظ وتزفر، على نحو ما قالوه في نحو قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.
ومعنى الآية: إِذا كان الكافرون بمكان بعيد مكشوف أمام النار, سمعوا لاتقادها صوتًا مزعجًا كالذى يحدث من المغتاظ، وسمعوا لها صوتًا يشبه الزفير الذي يحدث من الموتور الذي يتنفس الصُّعَدَاء (¬3) حين يظفر بخصمه.
13 - {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا}:
أي: وإذا أُلقى الكفار بالساعة في مكان ضيق من النار وهم مقرنون، بأَن جمعت أيديهم إِلى أَعناقهم بما يجمعها - إِذا أُلقوا فيها كذلك - دعوا في هذا المحبس الناريِّ هلاكًا يخلصهم من عذاب النار المحيطة بهم، كأن يقولوا: يا ثبوراه - على معنى. هلم إِلينا لتنقذنا مما نحن فيه، وجعل بعض الأجلة دعاء الثبور ونداءه، كناية عن تمنيهم الهلاك، ليسلموا مما هو أشد منه - كما قيل: أَشد من الموت ما يتمنى معه الموت.
¬__________
(¬1) سورة المؤمنون، الآية: 37
(¬2) سورة فاطر، من الآية: 8
(¬3) بوزن البرحاء: تنفس طويل.

الصفحة 1490