قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يُصِيبُ الْمُسِلمَ من نَصَبٍ وَلَا وَصَب، وَلا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، ولا أَذى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكها إلَّا كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاه" (¬1). وقد جرت سنة الله تعالى، أن لا يديم الضر على عباده، بل يكشفه عنهم، كما يشير إليه قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬2).
{وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}:
والمعنى: أَنه - تعالى - إن يرد عبده بخير من فضله، فلن يستطيع أحد منع هذا الخير عنه، فإن إرادته - جل وعلا - نافذة، وفضله سبحانه لا يستطيع أَن يرده أحد من خلقه.
وكما يكون الضرُّ ابتلاءً من الله لعباده لإظهار مدى إِيمانهم وصبرهم، يكون الخير كذلك لإظهار مدى شكرهم لله وإقبالهم عليه - تعالى ـ قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (¬3) وقد يكون الخير تكريمًا من الله لعباده الصالحين، وتعجيلا بنصيب من الثواب في الدنيا قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} (¬4). وكما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (¬5).
{وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}: أَي والله - سبحانه وتعالى - عظيم المغفرة واسع الرحمة.
يفسح لعباده مجال التوبة والاستغفار قبل أَن ينزل بهم العقاب، فإنه - سبحانه -: {أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (¬6). ومن فضل الله ورحمته أنه يتجاوز عن كثير من السيئات، كما قال عز وجل: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (¬7). ولا يؤاخذهم عاجلا بما كسبوا، كما قال سبحانه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} (¬8).
وكما قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوالرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} (¬9).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في كتاب المرض عن أبي سعيد الخدرى (باب ما جاء في كفارة المرض).
(¬2) سورة الطلاق الآية: 7
(¬3) سورة الأنبياء الآية: 35
(¬4) سورة النحل من الآية: 30
(¬5) سورة الطلاق من الآية: 4
(¬6) ختام المدثر.
(¬7) سورة الشورى من الآية: 30
(¬8) سورة فاطر من الآية الأخيرة.
(¬9) سورة الكهف: آية 58