كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 4)

وتفصيل ذلك أَن بنى عمرو بن عوف، لما بنوا مسجد قباء بعثوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يأْتيهم فيصلى بهم في مسجدهم فلما فعل النبيى صلى الله عليه وسلم ما طلبوه منه، حسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وقالوا نبنى مسجدًا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه، ويصلى فيه أَبو عامر الراهب أَيضًا إِذا قدم الشام، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه سلم الفاسق. وكان قد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد: لا أَجد قومًا يقاتلونك إِلا قاتلتك معهم، فلم يزل يفعل ذلك إِلى يوم حنين، فلما انهزمت هوزان يومئذ ولى هاربًا إلى الشام، وأَرسل إلى المنافقين أَن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإِنى ذاهب إِلى قيصر وآت بجنود، وَمُخْرِجٌ محمدًا وأَصحابه من المدينة، فبنوا مسجدًا إلى جنب مسجد قباءَ، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بنينا مسجدًا لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية، ونحن نحب أَن تصلى لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنى على جناح سفر وحال شغل، وإِذا قدمنا إِن شاء الله تعالى صلينا فيه فلما قَفَل صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، سأَلوه إِتيان المسجد فنزلت هذه الآية عليه، فدعا بمالك بن الخشم ومَعْن بن عدى وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة وقال لهم: "انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا المسجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدمُوهُ واحْرِقُوهُ، ففعلوا":
وأَمر أَن يتخذ مكانه موضعًا لإِلقاءِ القمامة، حتى لا تقوم له قائمة، وهلك أَبو عامر الفاسق بقُنَّسْرين.
والمعنى: ومن المتخلفين عن غزوة تبوك، المنافقون الذين بنوا بجوار مسجد قباء، مسجدًا لمضارة الإِسلام والمسلمين، وللتفريق بين المؤمنين الذين كانوا يصلون في مسجد قباء متجمعين تلبية لنداءِ ربهم، يريدون ببنائه أَن يجتذبوا بعضهم إِلى مسجدهم، وإِلى صفوف نفاقهم، كما بنوه أَيضًا لغرض خفى خطير، وهو انتظار وترقب الراهب الفاسق الذي حارب الله ورسوله من قبل، لكي يصلى فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ):
وليحلفن بنو غانم الذين بنوا مسجد الضرار، ما أَردنا ببنائه إلى خصلة الحسنى وهى الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين، والله يشهد إِنهم لكاذبون في يمينهم، فقد بنوه للمضارة وغيرها من الأَغراض الفاسدة التي بينتها الآية الكريمة.

الصفحة 16