كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 7)

وكان هذا كده رزقًا من عند الله لا فضل فيه إلا لله وحده، فإذا ما خوّلهم لله الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان والرزق الواسع بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام، فكيف يستقيم أن يُعرِّضهم للتخوف والتخطف، ويسلبهم الأمن إذا ضمُّوا إلى حرمة البيت حرمة الإِسلام؟.
قال يحيى بن سلام: يقول: كنتم آمنين في حرمي تأْكلون رزقى، وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني، وآمنتم بي؟
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}: جهلة لا يتفطنون ولا يتفكرون فهم غافلون عن الاستدلال بأَنَّ مَنْ رزقهم وأَمَّنهم فيما مضى حال كفرهم يرزقهم لو أسلموا ويمنع الكفار عنهم.
58 - {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}:
بيَّن الله في الآية السابقة فساد دعواهم الخوف من الناس إن آمنوا، وبيَّن في الآية أَنهم أحِقَّاء بالخوف من بأس الله الذي يشاهدونه بأعينهم كلما ساروا بقوافلهم على آثار من هلك قبلهم، وبقايا وخرائب المدن والقرى التي جحدت آلاء ربها وكفرت بأنبيائها كما يكفرون بنبيهم، فعذبهم الله بكفرهم وذكَّرهم فيها بأن ما حدث في الماضى لغيرهم يمكن أَن يقع لهم في الحاضر والمستقبل وحينئذ يتبين أن الخوف في الكفر لا في الإيمان.
أي: وكثير من أهل القرى كانت حالهم كحال هؤلاء في الأمن وخفض العيش والدَّعة والاطمئنان حتى بطروا واغترُّوا ولم يقوموا بحق النعمة من الشكر عليها بالإيمان، فدمَّرنا عليهم وخربنا ديارهم، وتلك مساكنهم التي تمرُّون عليها في أسفاركم كحجر ثمود خاوية بما ظلموا، لم تسكن من بعد تدميرهم إلاَّ زمانًا قليلًا؛ إذ لا يسكنها إلا المارة أثناء سفرهم يومًا أو بعض يوم.
59 - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}:
قال الآلوسي: هذه الآية الكريمة فيها بيان للعناية الربانية إثر بيانا إهلاك القرى المذكورة.

الصفحة 1793