كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 7)

يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة (¬1)، وقيل: (عسى) للترجِي من قبل التائب المذكور، بمعنى: فيتوقع أن يفلح ويفوز.
68 - {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}:
بين الله في الآيات السابقة أن الشركاء لا ينفعُون المشركين في أُخراهم، وجاءَت هذه الآية لتبين أن الأَمر كله لله، ولهذا اختار لعباده من يرشدهم إلى سواء السبيل، فليس لهم الخيرة في عقائدهم ولا في اختيار رسلهم، كما نزلت لكي ترد على أولئك الذين يقترحون على الله الرسل، كالوليد بن المغيرة حيث قال: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} يعني بذلك نفسه من مكة، وعروة بن مسعود الثقفى من الطائف.
والمعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه بقدرته ويختار منهم من يشاء بحكمته لطاعته وحمل رسالته، على مقتضى علمه باستعدادهم لذلك، فليس في مقدور الخلق ولا من حقهم أن يختاروا على الله ما يشاءُون من أديان باطلة وآلهة زائفة، تنزَّه الله تعالى بذاته تنزُّهًا خاصًّا به من أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره، وتقدس وتمجد عن إشراكهم.
قال الزمخشرى: إن الاختيار إلى الله - تعالى - في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، ولا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم.
وجعل بعضهم (سبحان الله) تعجيبًا من إشراكهم من يضرهم ولا ينفعهم بمن يريد لهم الخير ويسوق لهم النِّعم.
69 - {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}:
وربك - أيها الرسول - يعلم ما يخفون في صدورهم من الاعتقادات الباطلة ومن عداوتهم لك، ويعلم ما يظهرونه من الأفعال الخبيثة والطعن فيك، وقولهم: هلَّا اختير غيرك للنبوة، فهو - سبحانه - يعلم ما تُكن الضمائر وما تنطوى عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر من جميع الخلائق: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} (¬2) والآية الكريمة تهديد وتحذير شديد لأعداء الله؛ لأنه - سبحانه - يعلم كل
¬__________
(¬1) صحيح البخاري (كتاب الطب) باب تمني المريض الموت.
(¬2) سورة الرعد الآية: 10.

الصفحة 1800