كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 7)

وقيل: لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت لما عبدوها، وقد جهَّلهم - سبحانه - في الاتخاذ، ثم زادهم - جل وعلا - تجهيلا بأنهم لا يعلمون هذا الجهل الذي لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل.
42 - {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}:
أي: قل لهم - أيها الرسول -: إن الله لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم أي شيء يدعونه إلها من دونه فقد بلغ من الحقارة حدًا لا غاية له، وإنهم لفي جهل بيّن حيث تركوا عبادة الله - تعالى - وعبدوا غيره مع أنه شيء لا يعبأ به.
ويجوز أن يكون المعنى أن الله يعلم أنكم لستم (¬1) تدعون من دون الله شيئًا؛ لأن ما تدعوته لمزيد حقارته لا يصلح أن يسمى شيئًا.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: أي الغالب الذي لا شريك له {الْحَكِيمُ} في ترك المعاجلة بالعقوبة، وهو تجهيل لهم وتقريع حيث عبدوا - من فرط الغباوة - جمادا لا علم له ولا قدرة وهو بالإضافة إلى العزيز القاهر القادر على كل شيء الحكيم البالغ في العلم، وإتقان العمل ما لا غاية وراءه - فهو بالنسبة إلى العزيز الحكيم - كالمعدوم البحت، وإن من هذا شأنه - جل وعلا - من الغلبة والحكمة قادر على مجازاتهم.
43 - {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}:
هذا المثل والأمثال الكثيرة التي ذكرها القرآن في سوره يضربها - سبحانه - للناس تقريبا لِفَهم ما ضُرِبت له، وإدراك معناه، وإظهارا للمعاني المستورة وتوضيحًا، وكان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون: إن رب محمَّد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، فلهذا قال - سبحانه -: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}: أي لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا الراسخون في العلم المتدبرون للأشياء على ما ينبغي، روى محيي السنة في مسنده عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية {أتِلْكَ الْأَمْثَالُ} ... الآية، فقال: "العالم: من عقل عن الله - تعالى - فعمل بطاعته واجتنب سخطه".
¬__________
(¬1) على أن (ما) نافية؛ أي: ما يدعون من دونه شيئا؛ لأن الآلهة لحقارتها ليست شيئًا موجودا.

الصفحة 1860