كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 5)

أَو يا عبد الله بن قيس؟ قال قلت والذي بعثك بالحق ما أَطلعانى على ما في أنفسهما، وما شعرت أَنهما يطلبان العمل - قال - وكأَنى أَنظر إلى سواكه تحت شمته وقد قَلَصتْ (1) فقال: لَنْ أَوْ لا نَسْتَعْمِل على عملنا من أَراده" وذكر الحديث. ومن ذلك أَيضًا ما رواه مسلم من عن عبد الرحمن بن سَمرة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الرحمن لا تسأَل الإِمارة، فإِنك إِن أعطيتها عن مسأَلة وكِلْتَ إِليها وإِن أعطِيتَهَا عن غير مسأَلة أعنت عليها).وقد استفيد من الآية أَيضًا إِباحة طلب الرجل القادر الفاضل أَن يعمل للرجل الكافر، بشرط أَن لا يكون عمله لديه وفق شهواته وفجوره، وإلا فلا يجوز.
ويستفاد منها أَيضًا أَنه لو علم إِنسان أَنه لا يقوم سواه بمصالح الناس في عدل وكفاية سواء كان ذلك في ولاية أَو قضاءٍ أَو نحوهما، وجب عليه أَن يطلب ذلك، ويخبر بصفاته التي تجعله صالحا للقيام بها، من العلم والحفظ والكفاية كما قال يوسف:
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}:
فقد سأَلها بالحفظ والعلم لا بالنسب وغيره، فإِن كان هناك من يقوم بها ويصلح لها سواه، وعلم بذلك فالأَولى أَن لا يطلب لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة: "لا تسأَل الإِمارة" الحديث.
{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}

الصفحة 346