كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 6)

والمعنى على هذا: وبعد تمام السد جعلنا يأجوج ومأجوج يموجُ بعضهم في بعض، أي يضطربون اضطراب موج البحر لما مُنِعُوا من الخروج والفساد في الأرض بسبب السد، ولا يزالون مائجين مضطربين، حتى ينجز الله وعده الحق، فَيَنْدَكُّ السد ويسوى بالأرض، وحينئذ يخرجون مزدحمين في البلاد ويهلكون الحرث والنسل.
وقيل: إن الضمير عائد إلى الخلائق من الإِنس والجن. وعلى هذا الرأى يكون معنى الآية ما يلى:
وجعلنا بعض الخلائق يضطربون اضطراب أمواج البحر، يختلط إنسهم بجنهم من شدة الفزع والهول عند قيام الساعة، روى هذا عن ابن عباس رضى الله عنهما - قال الآلوسى: ولعل ذلك لعظائم تقع قبل النفخة الأولى.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}: الصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام بأمر الله تعالى، كما ثبت في السنة وهو بوق عظيم جدا، جاء في الآثار من وصفه ما يدهش العقول، ولكنا نؤمن به، ونكل حقيقته إلى من أَحاط بكل شىءٍ علمًا، وقد صَحَّ عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدْ الْتَقَمَ صَاحِبُ القرْنِ الْقَرنَ وَحنَى جَبينَهُ وأصغى سمْعَهُ يَنْتَظرُ أنْ يُؤْمَرَ فيَنْفُخ" (¬1) وهو ينفخ فيه نفختين: الأولى نفخة الصعق والأخرى نفخة البعث والقيام من القبور، وهما المذكورتان في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (¬2).
والمراد هنا النفخة الأُخرى بدليل ما بعدها، والضمير في قوله تعالى: {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} للخلائق كلها ومنهم يأجوج ومأْجوج - أي عقب النفخة الأُخرى في الصور، والقيام من القبور، نجمع الخلائق كلها حميعًا عظيمًا هائلا: أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم بعدما تفرقت أَوصالهم، وتمزقت أَجسادهم - نجمعهم في صعيد
¬__________
(¬1) وذهب أبو عبيدة إلى أن الصور جمع صورة، وأيده بقراءة الحسن (الصور) بفتح الواو، وعلى هذا يكون النفخ في الصور كناية عن إحياء الخلائق، لجمعهم وحسابهم وجزائهم.
(¬2) الزمر - الآية:

الصفحة 930