كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 8)

"""""" صفحة رقم 111 """"""
وبليت برقيب قد سلب الله من قلبه الإيمان ، وسلطه علي بغلظ الطباع وفظاظة اللسان ؛ كأنه شيطان لا بل هو بعينه ، لكنه أربى عليه بهتانه ومينه ؛ يحاق على الكلمة الواحده ، ولا يسمح بأن طرفي يمتد إلى تلك المحاسن التي غدت القلوب بها واجده ؛ يود لو غطى على بصري ، ويبدلني مغيبي من محضري ؛ لا يفتر عن اللوم والعذل ، ولا يرى أن يقضي ساعاته إلا في بذل الحيل ؛ يرغب في شتات شملي ، وانقطاع وصلي ؛ وليس لي في دفعه حيله ، ولا في الانتقام منه وسيله ؛ وما زال حتى أحال الحبيب عن وداده ، وكدر ما صفا من حسن ظنه واعتقاده ؛ وأنا أروض نفسا كادت تذوب ، وأتسلى بأيام وصاله وأقول : لعلها ترجع وتؤوب
لئن ذقت مر الصبر أو ملح أدمعي . . . لقد أعذبت تلك المذاقات منهلي
فلم يقنع الدهر لي بذلك ، ولا رضي بالصد والعذل والهجر الذي هو أعظم المهالك ؛ حتى قضى بالفرقة والبعاد ، ورمتني النوى بسهم لم يخطئ الفؤاد ؛ وكنت أتعلل بالنظر ، وأقول : مشاهدة هذا الوجه القمري عندي أكبر وطر ؛ حتى منعت الوصال والمشاهده ، وندبت قلبي القريح بأدمع عيني الجامده
أحباب قلبي لقد قاسيت بعدكم . . . نوائبا صيرتني في الهوى مثلا
وقد تعجبت أني بعد فرقتكم . . . أحيا وأيسر ما لاقيت ما قتلا
وانقطعت عني الرسائل ، وذهبت لذاذة ما اعتدته من تلك الوسائل
هل مخبرٌ عنكم يعيش بقربه . . . ميت الرجا والصبر بعد إياس
أحبابنا قسما بساعة وصلنا . . . لم أكتحل من بعدكم بنعاس
غبتم فعندي بالفراق مآتمٌ . . . فمتى تعود بعودكم أعراسى

الصفحة 111